بعثة انبياء بين عيسى ورسول الله صلوات الله عليهما

 


يدل على وجود انبياء بين عيسى عليه السلام ورسول الله الله صلى الله عليه واله أمور:

الاول: قال تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ  [يس/13-17] قال في النكت والعيون : قوله عز وجل : { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ } هذه القرية هي أنطاكية من قول جميع المفسرين. وقال في التحرير والتنوير والذي ينطبق على ما في كتاب أعمال الرسل من كتب العهد الجديد أن ( برنابا ) و ( شاول ) المدعو ( بُولس ) من تلاميذ الحواريين ووُصِفا بأنهما من الأنبياء ، كانا في أنطاكية مرسلَيْن للتعليم ، وأنهما عُززا بالتلميذ ( سيلا ) . وذكر المفسرون أن الثالث هو ( شمعون ) ، لكن ليس في سفر الأعمال ما يقتضي أن بُولس وبرنابا عزّزا بسمعان . ووقع في الإِصحاح الثالث عشر منه أنه كان نبيء في أنطاكية اسمه ( سمعان ). انتهى فالعلم ثابت انهم بعد عيسى عليه السلام وقيل انهم مبعوثون من نبي، ولا دليل عليه بل قوله تعالى (ارسلنا) ظاهر انهم من قبل الله تعالى بل قوله تعالى (مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا) نص في انه من تكذيب النبوات وليس المبعوثين من قبل نبي. كما انه قوله تعالى (وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) هو من الفاظ الأنبياء.

الثاني:  قال تعالى (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ [الملك/8، 9] وهو شامل لهذه الفترة فيكون فيها نذير ومعنى(جاءه) أي بعث وهو مشير الى النبوة.

الثالث: قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر/24] وهو شامل لتلك الامة.

الرابع: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران/33، 34] ووجه الدلالة ان بعضها من بعض أي من حيث السنخية والعامل المشترك وليس هنا امر مصرح به الا الاصطفاء، فيكونون مصطفين اخيار وهو مشير الى النبوة.

الخامس:  قال الله عزوجل: " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا [المؤمنون/44]. وقال الله عزوجل: " رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء/165] قال الصدوق في كمال الدين: وبعد فلولا الكتاب المنزل وما أخبرنا الله تعالي به علي لسان نبينا المرسل صلى الله عليه وآله وما اجتمعت عليه الامة من النقل عنه عليه السلام في الخبر الموافق للكتاب أنه لا نبي بعده لكان الواجب اللازم في الحكمة أن لا يجوز أن يخلو العباد من رسول منذر مادام التكليف لازما لهم، وأن تكون الرسل متواترة إليهم على ما قال الله عزوجل: " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا [المؤمنون/44]. ولقوله عزوجل: " رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء/165] لان علتهم لا تنزاح إلا بذلك كما حكي تبارك وتعالى عنهم في قوله عزوجل " وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه/134] أقول وجه الاستدلال ان وجود بشر عالم بامر الله بالحق في كل زمن واجب لإزاحة الحجة، وذكر الرسل هنا اما انه من باب الاهتمام او انه مستعمل في الاعم من الرسل والانبياء، فيكون الرسول له معنيان معنى خاص وهو رسول بكتاب وشريعة ومعنى عام وهو رسول بنبوة وان لم يكن كتاب. ولأنه لا دليل على منع الأنبياء قبل النبي محمد صلى الله عليه واله ولما دلت السنة انه كانت انبياء تخلف انبياء فكان هذا دليلا على عدم انقطاع النبوة حتى مجيء رسول الله صلى الله عليه واله. ومن هنا يتبين أيضا الفرق بين الخليفة والامام والوصي، فالأمام قد يكون رسولا او نبيا او محدثا والمحدث ليس نبيا الا انه عالم بالحق، والخليفة قد يكون رسولا او نبيا او محدثا، والوصي لا يكون رسولا وانما فقط نبي او وصي نبي لان الرسول مجدد شريعة ويأتي بكتاب. واما المحدث فهو ليس بنبي وهو ضرورة بعد النبي محمد لأنه لا بد من عالم بالحق والاصل انه نبي وانه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه واله فكان لا بد من محدث، وليس معنى محدث انه يحدثه ملك وانما يعني انه يلهم الحق ويعلم الحق بلا خطـأ، فالمحدث عالم لا يخطئ.

السادس: الثامن: جاء في المستدرك : في خالد بن سنان قال قال أبو يونس : قال سماك بن حرب سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « ذاك نبي أضاعه قومه » وقال أبو يونس : قال سماك بن حرب : إن ابن خالد بن سنان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « مرحبا بابن أخي ». وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني  في  أبي سعيد بن عبد الأعلى : قال سعيد بن أبي مريم : هو ابن بنت خالد بن سنان العبسي المتنبي الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « ضيعه قومه » وفي المعجم الكبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبسط له ثوبه وقال : بنت نبي ضيعه قومه. وفي كمال الدين عن بشير النبال، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام قالا: جاء ت ابنة خالد بن سنان العبسي إلي رسول الله وصلى الله عليه وآله فقال لها: مرحبا يا ابنة أخي وصافحها وأدناها وبسط لها رداء، ثم أجلسها إلي جنبه، ثم قال: هذه ابنة نبي ضيعة قومه خالد بن سنان العبسي. و قال الصدوق والفترات بين الرسل عليهم السلام كانت جائزة لان الرسل مبعوثة بشرائع الملة وتجديدها ونسخ بعضها بعضا، وليس الانبياء والائمة عليهم السلام كذلك ولا لهم ذلك لانه لاي نسخ بهم شريعة ولا يجدد بهم ملة، وقد علمنا أنه كان بين نوح وإبراهيم، وبين إبراهيم وموسى، و بين موسى وعيسى، وبين عيسى ومحمد عليهم السلام أنبياء وأوصياء كثيرون وإنما كانوا مذكرين لامر الله، مستحفظين مستودعين لما جعل الله تعالى عندهم من الوصايا والكتب والعلوم وما جاء ت به الرسل عن الله عزوجل. قال الزركلي في الاعلام: حنظلة بن صفوان الرسي: من أنبياء العرب في الجاهلية. كان في الفترة التي بين الميلاد وظهور الإسلام. وهو من أصحاب (الرسّ) الوارد ذكرهم في القرآن. بعث لهدايتهم فكذّبوه وقتلوه. واختلف الرواة في الرسّ، والأكثر على أنها (بئر) وفي رواية ابن حبيب إنها كانت في بلدة حّضُور (من أعمال زبيد، باليمن) وفي خبر أورده الهمدانيّ أن جماعة - قبل الإسلام - عثروا بقبر حنظلة صاحب الرس ورأوا في يده خاتما كتب عليه (أنا حنظلة بن صفوان رسول الله) ورأوا مكتوبا عند رأسه: (بعثني الله إلى حمير والعرب من أهل اليمن فكذبوني وقتلوني) وقال ابن خلدون: حنظلة بن صفوان نبيّ الرسّ، والرس ما بين نجران إلى اليمن، ومن حضرموت إلى اليمامة. ولا يقال انه لم تشتهر الرواية بهم ولم تبلغ الجزم لان الاعلم يتحقق بالمصدقات والشواهد كما ان النبوات تختلف ولها درجات ولربما يغلب على النبي عدم ذياع الصيت او صغر دائرة دعوته بل ولربما لم يخبر انه نبي او لم يذكر ويفصل امره، وغيرها من الأمور التي تجعل من عدم معرفة خبر نبي بل انبياء شيئا واردا.

السابع: عن ابن عباس: {وتقلبك في الساجدين} قال : من صلب نبي إلى صلب نبي حتى صرت نبيا.  قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة. وفي الدر المنثور وأخرج ابن أبي عمر العدني في "مسنده"، والبزار ، وابن أبي حاتم ، [ ص: 317 ] والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الدلائل"، عن ابن عباس في قوله : وتقلبك في الساجدين قال : من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا . وفي الدر المنثور أيضا قال أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، عن ابن عباس في قوله : وتقلبك في الساجدين قال : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه . وعن البغوي عن عطاء عن ابن عباس : " أراد تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى ‏نبي حتى أخرجك في هذه الأمة  وفي تفسير الخازن وقال ابن عباس أراد وتقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة. أقول الرواية فيها مضمونان احدهما مصدق وهو انه من صلب نبي الى صلب نبي و المضمون الثاني غير المصدق انه تفسير لقوله تعالى (تقلبك في الساجدين)، ولا يضر في صحة احد المضمونين بطلان الاخر بل يصح التفكيك بينهما، كما بينته في كتابي (الحديث من الرواية الى المضمون).

الثامن: قال في الدرالمنثور وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبي أنت وأمي، أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتى بدت نواجذه، ثم قال : «إني كنت في صلبه، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم، ولم يلتق أبواي قط على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما. أقول يدل الحديث على وجود انبياء بعد عيسى من عدة وجوه الأول انه ذكر أسماء انبياء وانه في صلبهم ثم قال (الاصلاب طيبة) فدل على إرادة اصلاب الأنبياء،  الثاني قوله مصفى فيه دلالة على انه اطيب الاصلاب ولا ريب ان اصلاب الأنبياء هي الاطيب في كل زمن،  والثالث قوله (لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما) وهو يدل على المطلوب اذا ان خير الشعب هم الأنبياء، وقد يقال يمكن ان تكون الطيبية والخيرية في المؤمن، وفيه ان هذا وفق الفقه اللفظي واما وفق الفقه التصديقي الذي لا يقبل الاحتمال ويعتمد العلم فان الشواهد والمصدقات دلت على ذلك بل ونصت على ذلك كما عرفت وستعرف.

التاسع: عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون)) . وجه الدلالة قوله (كلما هلك نبي خلفه نبي)، كما ان في الحديث إشارة الى ان الخلافة الهية وهو غيب وتوقيفي فلا تعرف الا بالنص وهذا بخلاف الخلافة الاجتهادية التي تكون باجتهاد الفقهاء والامة.

العاشر: في نهج البلاغة، أن الإمام علياً (عليه السلام)، قال: «رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سمى له من بعده، أو غابر عرّفه مَن قبلَه، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله)..»

الحادي عشر: الكافي عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة واحدة، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك. وفيه عن مقرن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عبد المطلب يبعث يوم القيامة أمة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء. وعن عبد الرحمن بن الحجاج، والمفضل بن عمر جميعا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء. أقول ويصدق ذلك حفر زمزم وغيرها من اخبار عبد المطلب عليه السلام.

لكن المشهور انه لا نبي بين نبي الله عيسى عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه واله، واستدل بأمور:

اولا: قيل ان حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-  ( ذاك نبي أضاعه قومه ) وحديث (مرحبا بابن أخي ) . وقد قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بانهم لم يرتضوا قوله وردوا تصحيحه فقال الذهبي : " منكر " وقال الحافظ ابن حجر : قلت لكن معلى بن مهدي ضعفه أبو حاتم الرازي  وقال الهيثمي : " رواه الطبراني موقوفا وفيه المعلى بن مهدي ضعفه أبو حاتم قال : يأتي أحيانا بالمناكير قلت : وهذا منها "  اقول اما ضعف السند فلا عبرة به، واما النكارة فهي ما خالف القران وليس ما خالف ما رواه من يراه البعض صحيحا، وستعلم ان القران يصدق وجود انبياء الى رسول الله صلى الله عليه واله.

ثانيا: وقيل ان حديث  ( بِنْتُ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ ) الذي رواه الطبراني لا يصح وقال  وقال الهيثمي : " وفيه قيس بن الربيع وقد وثقه شعبة والثوري ولكن ضعفه أحمد مع ورعه وابن معين. اقول اما ضعف السند فعرفت انها ليست حجة لرد الحديث، وستعرف ان الحديث مصدق فيكون علما.

ثالثا: قيل ان قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] {الصَّف:6} يدل على انه لا نبي بعد عيسى وهذا ضعيف فانه احتجاج بمفهوم ما لا مفهوم له فكونه يبشر بنبي اسمه احمد لا يعني انه لا نبي غيره سيكون بعده.

رابعا: واحتج للنفي بما روي عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه –قال : قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: ( أنا أَوْلَى الناس بِعِيسَى الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ ) رواه مسلم  قال ابن كثير -رحمه الله تعالى -: " وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له خالد بن سنان. اقول لو ان الحديث له شاهد ومصدق لما قيل بخلافه ويمكن حمل الحديث على انه لا نبي ظاهر او رسول بينهما، او انه لا نبي بينه وبين عيسى اولى به، وعلى كل حال الحديث لا شاهد له وكونه صحيح السند لا يجعله علما فالعلم ما شهد له القران فكيف والقران يخالفه. اقول والقول بوجود انبياء معروف فقد قال السيوطي – رحمه الله تعالى - في الديباج : " هذا يبطل قول من قال إنه بعث بعد عيسى في زمن الفترة نبي أو نبيان أو ثلاثة . وقد ذكر ابن كثير عددا ممن قيل أنه نبي ومنهم خالد بن سنان فقال : " والظاهر أن هؤلاء كانوا قوما صالحين يدعون إلى الخير والله أعلم.

خامسا: احتج لنفي وجود نبي بين عيسى ورسول الله بقوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  [القصص/46] وهذا ضعيف فانه من اطلاق الكل وارادة البعض  الاية تتحدث عن القرآن اي نذيرا بكتاب قال الله تعالى ( تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ  [يس/5، 6] وقال تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [السجدة/2، 3] وقال تعالى (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص/46] اي انزلنا عليك الكتاب رحمة من ربك. كما ان القول بالفترة وعدم قيام الحجة باطل تبطله ايات كثيرة بل كانت الحجة قائمة عليهم ووصفهم الله تعالى بالضلال وهنا قال (غافلون) قال تعالى (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ  [الصافات/69، 70] والحجة وان كانت بغير الانبياء من كتب او اوصياء الا انها تبطل حمل الاية على عدم الانذار الكلي، فالمراد هو انذار خاص اي انذار بكتاب. ولقد قال تعالى (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ [الملك/8، 9] وقال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر/24] وهو شامل لتلك الامة.

سادسا: واحتج للنفي قوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [المائدة/19] قال الصدوق في كمال الدين  أنا لاندفع الاخبار التي رويت أنه كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه واله فترة لم يكن فيها نبي ولا وصي ولا ننكرها ونقول: إنها أخبار صحيحة ولكن تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الانبياء والائمة والرسل عليهم السلام وإنما معني الفترة أنه لم يكن بينهما رسول، ولا نبي، ولا وصي ظاهر مشهور كمن كان قبله، وعلى ذلك دل الكتاب المنزل أن الله عزوجل بعث محمد صلى الله عليه واله على حين فترة من الرسل، لامن الانبياء و الاوصياء، ولكن قد كان بينه وبين عيسى عليهما السلام أنبياء وأئمة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسي نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر لتواطئ الاخبار بذلك عن الخاص والعام وشهرته عندهم. انتهى فالكلام من اطلاق الكل وارادة البعض، اي رسولا بكتاب، او رسولا ظاهرا كما ان الرسول اخص من النبي، كما ان فترة لا تعني من زمن عيسى بل ربما بعده رسل ثم فترة. فالاية لا تعارض بعث انبياء بعد عيسى عليه السلام وقبل رسول الله صلى الله عليه واله.

سابعا: واستدل للنفي بقوله تعالى (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة/129] بانه لا نبي في العرب غير رسول الله وفيه ان الاية تقول رسولا، كما انه رسول بكتاب وليس اي رسول، كما انه احتجاج بالمفهوم ولا مفهوم للنص، فارسال رسول لا يتعارض مع ارسال رسول غيره. كما ان القول انه لا نبي في العرب غير رسول الله لا يصح فقد روي في صحيح ابن حبان عن ابي ذر رضي الله عنه ( قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ ، قال : « مائة ألف وعشرون ألفا » قلت : يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟ ، قال : « ثلاث مائة وثلاثة عشر جما غفيرا » ، قال : قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ ، قال : « آدم » قلت : يا رسول الله ، أنبي مرسل ؟ ، قال : « نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا » ثم ، قال : يا « أبا ذر أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وأخنوخ وهو إدريس ، وهو أول من خط بالقلم ، ونوح وأربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم » والحديث وان كان مضمونه لا شاهد له الا انه يمنع  القول من انه لا نبي عربي الا محمدا صلى الله عليه واله. كما ان هذا الجزء يتحدث عن الرسل وليس الانبياء فلا يعارض بعث انبياء فيهم ليسوا برسل. و قد استدل لنفي وجود انبياء بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما بما بان انبياء العرب أربعة قد عرفت ما فيه وهو على كل حال لا شاهد له بل خلاف القران فيكون ظنا في ظاهره.