3.23.2020

تلخيص موجز البلاغة






تلخيص
موجز البلاغة

انور غني الموسوي

تحميل




تلخيص
موجز البلاغة
انور غني الموسوي
دار اقواس للنشر
العراق 1441







مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد واله الطاهرين. ربنا اغفرنا لنا ولإخواننا المؤمنين.
هذا تلخيص لكتاب موجز البلاغة للشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
البلاغة فعالة مصدر بلُغ بضم اللام كفقه وهو مشتق من بلَغ بفتح اللام بلوغاً بمعنى وصل وإنما سمي هذا العلم بالبلاغة لأنه بمسائله وبمعرفتها يبلغ المتكلم إلى الإفصاح عن جميع مراده بكلام سهل وواضح ومشتمل على ما يعين على قبول السامع له ونفوذه في نفسه.
إذا علم الانسان اللغة والنحو والصرف فإنما يستطيع أن يعبر عن حاصل المراد وأصل المعنى ولا يستطيع أن يفصح عن تمام المراد. والعلم الباحث عن القواعد التي تصير الكلام دالاً على جميع المراد وواضح الدلالة عليه يدعى علم البلاغة، ثم إن هنالك محسنات للكلام متى اشتمل عليها اكتسب قبولاً عند سامعه وجعلوا تلك المحسنات اللفظية من لواحق مسائل هذا العلم ويلقبونها بالبديع. اقول البديع لا علاقة له بجوهر غرض البلاغة.
فالبلاغة ثلاثة فنون فن المعاني وهو المسائل التي بمعرفتها يستطيع المتكلم أن يعبر عن جميع مراده بكلام خاص، وسمي علم المعاني لأن مسائله تعلمك كيف تفيد معاني كثيرة في ألفاظ قليلة، أما بزيادة لفظ قليل يدل على معنى حقه أن يؤدى بجمل مثل صيغة إنما في الحصر، وكلمة إن في التأكيد ورد الإنكار معاً وأما بأن لا يزيد شيئاً ولكنه يرتب الكلام على كيفية تؤدي بذلك الترتيب معنى زائداً مثل تقديم المفعول والظرف لإفادة الحصر في نحو: الله أحد، وإياك نعبد وهذا الفن هو معظم علم البلاغة، وفن البيان وهو المسائل التي بمعرفتها يعرف وضوح الدلالة، وفن البديع وهو المسائل التي تبحث عن المحسنات اللفظية كما تقدم. اقول من هذا البيان فهناك شكلان للبلاغة البلاغة الاساسية وهي علم المعاني وهو فن الفصاحة حقيقة والبلاغة الفنية وهي علم البيان وهو جوهر البلاغة فعلا بل هو البلاغة حقيقة، واما البديع فليس من الفصاحة ولا البلاغة.
علم المعاني
اقول ذكر المصنف في العنون (فن المعاني) وستعرف ان المعاني علم وليس فنا وهو كيفية اداء الكلام بطريقة صحيحة وتوصيل الرسالة بكفاءة وهو من الفصاحة وليس من البلاغة التي يكون فيها غرض بياني اضافية لأداء الرسالة.

المعاني علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يكون بليغاً فصيحاً في أفراده وتركيبه.  فالفصاحة أن يكون الكلام خالصاً أي سالماً مما يعد عيباً في اللغة بأن يسلم من عيوب تعرض للكلمات التي تركب منها الكلام أو تعرض لمجموع الكلام. فالعيوب العارضة للكلمات ثلاثة الغرابة، وتنافر الحروف، ومخالفة قياس التصريف، والعيوب العارضة لمجموع الكلام ثلاثة التعقيد وتنافر الكلمات، ومخالفة قواعد النحو ويسمى ضعف التأليف. اقول وهذه امور كلها عرفية وجدانية لا تحتاج الى بيان ولذلك قلنا ان علم المعاني هو من الفصاحة وليس من البلاغة.

الإسناد

الإسناد ضم كلمة إلى أخرى ضما يفيد ثبوت مفهوم أحداهما لمفهوم الأخرى أو انتفاءه عنه 
وحكم ما يجري مجرى الكلمة نحو الضمير المستتر والجملة الواقعة خبراً حكم الكلمة. فالكلمة الدالة على المحكوم عليه ما تسمى مسنداً إليه والكلمة الدالة على المحكوم به تسمى مسنداً والحكم الحاصل من ذلك يسمى الإسناد ولكل من المسند إليه والمسند والإسناد عوارض بلاغية تختص به.

عوارض الإسناد وأحواله

شاع أن الإسناد من خصائص الخبر فلذلك كثر أن يصفوه بالخبري بناء على أن الإنشاء كالأمر والنهي والاستفهام لا إسناد فيه والتحقيق أن الإسناد يثبت للخبر والإنشاء فإن في الجمل الإنشائية مسنداً ومسنداً إليه فالفعل في قولك أكرم صديقك مسند والضمير المستتر فيه مسند إليه.

قد يخاطب بالخبر من يعلم مدلوله ويخاطب بالإنشاء من حصل منه الفعل المطلوب فيُعلم أن المتكلم قصد تنزيل الموجود منزلة المعدوم لنكتة قد تتعلق بالمخاطب أما لعدم جري العالم على موجب. وأما لأن حاله كحال ضده كقولك للتلميذ بين يديك إذا لم يتقن الفهم يا فتى فإنك تطلب إقباله وهو حاضر لأنه كالغائب، وأما لقصد الزيادة من الفعل نحو ((يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله)) فطلب منهم الإيمان بعد أن وصفهم به لقصد الزيادة والتملي منه وأما لاختلال الفعل حتى كان غير مجد لفاعله مثل قوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يصلي ينقر نقر الديك ((صل فإنك لم تصل)) وهذا كثير في كلامهم،
وللكلام في قوة الإثبات والنفي مراتب وضروب بحسب قد الحاجة في إقناع المخاطب، فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم ولا تردد له فيه فلا حاجة إلى تقوية الكلام، وإن كان المخاطب متردداً في الحكم فالحسن أن يقوى له الكلام بمؤكد لئلا يصير تردده إنكاراً، وإن كان المخاطب منكرا وجب توكيد الخبر على قدر الإنكار. ويسمى الضرب الأول ابتدائيا. والثاني طلبيا والثالث إنكاريا. اقول هذا التصنيف غير موضوعي ولا داعي للتصنيف الا ان الاول افادة والثاني تثبيت والثالث موجهة.

وأدوات التوكيد إن وأن ولام الابتداء، ولام القسم، والقسم، والحروف الزائدة، وحروف التنبيه، وضمير الفصل ولن النافية هذه في الأسماء وقد وإما الشرطية ونون التوكيد في الأفعال.
والإسناد نوعان حقيقة عقلية ومجاز عقلي، فالحقيقة العقلية إسناد الشيء إلى شيء هو من الأمور الثابتة له في متعارف الناس إثباتاً أو نفياً.  والمجاز العقلي إسناد الشيء إلى غير ما هو له في متعارف الناس إثباتاً أو نفياً لملابسة بين المسند والمسند إليه، ومعنى الملابسة المناسبة والعلاقة بينهما. اقول هذه الاوصاف كلها لا تتسم بالدقة، فالمتعارف في الاسناد هو بحسب اللغة وليس العقل ولا العرف، والاسناد بحسب المتعارف هو اسناد عادي ولأجل الاسم يمكن ان يسمى اسناد عهدي، في قبال المجازي الذي هو تجوز ولاعهدي. فالإسناد عهدي لغة ومجاز لغة.
عوارض أحوال المسند إليه

الأصل أن يكون المسند إليه مذكوراً في الكلام وقد يحذف إذا دلت عليه قرينة. والأصل في المسند إليه التعريف لأن الحكم إنما يكون على معروف. وقد يؤتى بالمسند إليه نكرة لعدم الداعي للتعريف.
من أهم أحوال المسند إليه حالة تقديم فإن تقديمه وإن كان هو الأصل إلا أن المتكلم قد يشير باختيار تقديمه مع تأتي تأخيره كأن يأتي به مبتدأ مع إمكان الإتيان به فاعلاً إذا كان الخبر فعلاً وكالإتيان به مبتدأ وهو نكرة والخبر فعل مع أن الأصل حينئذ تقديم الفعل كما في قولهم بقرة تكلمت للإشارة إلى أن ذلك للاهتمام بشأنه.

عوارض أحوال المسند

قد عرفت أن المسند هو الكلمة المضمومة إلى غيرها لإفادة مدلولها محكوم به لذلك الغير، فالمسند هو: خبر المبتدأ، وفعل الفاعل أو نائبه إذا كان الفعل تاماً.
أصل المسند التأخير عن المسند إليه. وقد يقدم ليفيد تقديمه قصر المسند إليه على المسند او تشويقا للمعدود. وهذا كله ما لم يكن التقديم لسبب يحتم التقديم في النحو.








القصر

القصر تخصيص حكم بمحكوم عليه بحيث لا يثبت ذلك الحكم لغير ذلك المحكوم عليه. أو تخصيص محكوم عليه بحكم بحيث لا يتصف ذلك المحكوم عليه بغير ذلك الحكم بواسطة طريقة مختصرة تفيد التخصيص قصدا للإيجار فخرج بقولنا بواسطة طريقة مختصرة.
والمراد بالحكم والمحكوم عليه الأمر المقصود قصره أو القصر عليه سواء كان أحد ركني الإسناد نحو(( ما محمد إلا رسول الله )) أم كان متعلق أحدهما كالمجرور المتعلق بالمسند.
فالمخصوص بشيء يسمى مقصورا والمخصوص به شيء يسمى مقصورا عليه والمقصور هو الذي لا يتجاوز المقصور عليه لغيره والمقصور عليه هو الذي لا يشاركه غيره في الشيء المقصور. فالاختصاص والحصر مترادفان.
والقصر إما القصر موصوف على صفة بمعنى ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى. وأما القصر صفة على موصوف والمراد بالصفة والموصوف هنا الحكم والمحكوم عليه لا الصفة المعروفة في النحو.
وطرق القصر ستة وهي: النفي مع الاستثناء، وإنما، والتقديم، لما لحقه التأخير من مسند ومفعول ومعمول فعل. والعطف بلا وبل ولكن. أو ما يقوم مقام العطف من الدلالة على الاستدراك لإثبات بعد نفي أو عكسه. وتعريف المسند. وتوسيط ضمير الفعل. وهذه أمثلتها على الترتيب: قول لبيد
وأما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وقوله تعالى ((إنما حرم عليكم الميتة)). وقوله تعالى ((لكم دينكم ولي دين)) وقوله تعالى ((إياك نعبد وإياك نستعين)) وفي ذلك(( فليتنافس المتنافسون)) .
ومثال طريق العطف بلكن بعد الواو قوله تعالى(( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما)) وكذا قوله تعالى(( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله)) فهو قصر بعد قصر لأن قوله (( إلا من أكره)) أخرج المكره من الكافر ثم أخرج منه من شرح بالكفر صدرا فالتقدير من كفر بالله مكرها لا غضب عليه ولكن من شرح بالكفر صدرا. وأعلم أن هذه الآية فيها ثلاثة طرق من طرق القصر. ومثال العطف بلا ((اللهم حوالينا ولا علينا)) فالواو زائدة والمعنى لا تنزل المطر إلا حوالينا.


وأما طريق تعريف المسند فأعلم أن التعريف الذي يفيد القصر هو التعريف بلام الجنس فإذا عرف المسند بها أفاد قصر الجنس على المسند إليه نحو ((أنت الحبيب)) قصر تحقيق و ((هو العدو)) قصر ادعاء ((والحزم سوء الظن بالناس)) قصر قلب ((إن شانئك هو الأبتر)) كذلك. وإما توسيط ضمير الفصل فنحو ((ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عبادة)) ونحو (( كنت أنت الرقيب عليهم)) و(( أن ترن أنا أقل منك مالا وولدا)) وضمير الفصل هو ضمير يتقدم على الخبر ونحوه. ولا يفيد أكثر مما أفادته النسبة لعدم الحاجة إليه في ربط.

والقصر نوعان حقيقي واضحي لأن التخصيص لشيء إن كان مبنيا على أنه كذلك في الواقع ونفس الأمر فهو القصر الحقيقي. وإن كان مبنيا على النظر لشيء آخر يقابل الشيء المخصص به فقط لإبطال دخول ذلك المقابل فهو قصر إضافي تدل عليه القرينة. اقول وهذا غير تام فالحقيقي يقابله الوهمي او الادعائي والاضافي يقابله الاصلي، والصحيح ان الاول ناظر الى الكلية في الحصر والثاني ليس كذلك، وانما هو من جهة فيمكن ان يقال القصر الكلي مقابل القصر الجهوي.









الخبر والانشاء
الكلام كله إما خبر أو إنشاء. فالخبر هو الكلام الذي يحتمل الصدق والكذب لأن الخبر يقصد منه حكاية ما في الوجود الخارجي، والإنشاء الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لأنه لم يقصد منه حكاية ما في الخارج بل هو كاسمه أحداث معنى بالكلام لم يكن حادثا من قبل في قصد المتكلم.  اقول اما وصفه يحتمل الصدق و الكذب فلا مبرر وله و ليس مفيدا، و اما الحكاية عن الوجودي الخارجي ففيه اضطراب ان كان يقابل الوجود الذهني، و الصحيح ان الخبر يخبر عن نسبة معنوية خارج القول و الانشاء ينشئ نسبة معنوية بالقول فلا نسبة خارجه.
والذي يهم البليغ من أحوال الإنشاء مسائل:
الأولى- قد يأتي الإنشاء في صورة الخبر وهو ما يعبرون عنه بالخبر المستعمل في الإنشاء  الثانية- يستعمل بعض صيغ الإنشاء في بعض فيجيء الأمر للتمني وللتعجب نحو قوله تعالى(( انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) ويجيء الاستفهام للنهي نحو((اتخشوهم فالله أحق أن تخشوه)) . وللأمر نحو ((فهل أنتم منتهون)). وللتعجب نحو ((وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام)).

المسألة الثالثة- قد تستعمل صيغ الإنشاء فيمن حاله غير حال من يساق إليه ذلك الإنشاء كأمر المتلبس بفعل بأن يفعله نحو ((يا أيها الذين آمنوا)). وكنهي من لم يتصف بفعل عن أن يفعله نحو ((ولا تحسبن لله غافلا عما يعمل الظالمون)). والقصد من ذلك طلب الدوام. فينزل المتصف منزلة غير المتصف تحريضا على الدوام على الاتصاف. وكنداء المقبل عليك نحو قولك للسامع يا هذا. ونداء من لا ينادى بتنزيله منزلة من ينادى نحو ((يا حسرة على العباد)) أي احضري فهذا موضعك. وهذه مجازات ظاهرة وتفريعها سهل.
هذا نهاية القول في الأبواب المختصة بذكر الأحكام البلاغية التي تعرض للمفردات في حال تركيبها. ومن الأحكام ما هو عارض للجمل المؤتلف منها الكلام البليغ تفريقا وجمعا وتطويلا واختصارا. وقد خص لذلك بابان: باب الوصل والفصل وباب الإيجاز والإطناب والمساواة.

الوصل والفصل
الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه. وحق الجمل إذا ذكر بعضها بعد بعض أن تذكر بدون عطف لأن كل جملة كلام مستقل بالفائدة إلا أن أسلوب الكلام العربي غلب فيه أن يكون متصلا بعضه ببعض. ثم شرط صحة العطف مطلقا في المفردات والجمل وبالواو وبغيرها وجود المناسبة التي تجمع الجملة المعطوفة والجملة المعطوفة عليها في تعقل العقول المنتظمة بحسب المتعارف عند المتكلمين بتلك اللغة. اقول الوصل والفصل من الأساليب الراسخة في الوجدان اللغوي والتخاطبي ولذلك قلنا ان علم المعاني هو ليس من البلاغة وانما من الاستعمال الصحيح للكلام وهو من الفصاحة بالمعنى العام.




الإيجاز والإطناب والمساواة

الأصل في الكلام أن يكون تأدية للمعاني بألفاظ على مقدارها أي بأن يكون لكل معنى قصده المتكلم لفظ يدل عليه وتسمى دلالة الكلام بهذه الكيفية مساواةً لأن الألفاظ كانت مساوية للمدلولات فإذا نقصت الألفاظ عن عدد المعاني مع إيفائها بجميع تلك المعاني فذلك الإيجاز ومبنى كلام العرب على الإيجاز. اقول قوله الاصل في الكلام المساواة غير تام بل خاطئ جدا، بل الاصل في الكلام هو الايجاز، وقد خالف اقول كلامه باخره حينما قال (ومبنى كلام العرب على الإيجاز) والصحيح ان مبنى جميع اللغات على الايجاز لأنه أصل تخاطبي، وقد بينت كثيرا في ابحاثي الادبية ان وظيفية الكلام أصله ربح الكلفة، اي تأدية أكبر معنى بأقل لفظ وهذا أصل عقلائي انساني عام في كل جوانب الحياة وليس الكلام فقط.

والإيجاز يكون إيجاز حذف وإيجاز اختصار. اقول كون الايجاز هو الاختصار فتام واما ان الحذف من الايجاز فهذا غير تام، بل هو اسلوب بلاغي غرضي بحت وخلاف الاصل واهم اغراضه الترتيب والتبعية والتغليب، وهذا هو اكثره بان المحذوف فرع المذكور او تبعه او ان المذكور هو الاهم والاغلب. وأحيانا حينما يكون الايجاز محققا للانتخاب عال ومستوى عال من مفارقة حجم المعنى لحجم اللفظ فانه يكون اسلوبا بيانيا بلاغيا. فالإيجاز له مستويا مستوى عادي وهو لكل الناس وهو من التعبير ومستوى فني وهو من البلاغة.








فن البيان
هو علم به يعرف البليغ كيفية إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على حسب مقتضى الحال فتلك الطرق هي: الحقيقة، والمجاز، والتشبيه، والتصريح، والكناية. اقول والبيان هو البلاغة حقيقة حيث اما انتقاء المعنى او توسيع دائرته، فالمعنى له دائرة فيها مجموعة خيارات بيانية والبليغ من يختار أحسنها، او انه يوسع دائرة المعنى افتراضيا – مع تعاونية مع المخاطب- بأساليب واضحة.





التشبيه
التشبيه هو الدلالة الصريحة على إلحاق شيء بشيء في وصف اشتهر فيه الملحق به تقريبا لكمال الوصف المراد التعبير عنه كقولك هذا الفرس كالطائر في سرعة المشي والمراد بالصريحة ما كانت بلفظ دال على الإلحاق ملفوظ أو مقدر. وخرج به الاستعارة والتجريد. اقول جعلهم المقدر من الصريح هذا من اجود ما يكون ويدل على بعد تخاطبي في البحث وهو تام. فالمعنى انه مرتكز او تعارفي او معرفي وهذا البيان التخاطبي مهم جدا في فقه النصوص الشرعية.
أركان التشبيه أربعة: طرفاه: وهما المشبه والمشبه به ووجهه: وهو ما يشترك فيه الطرفان. وأدواته: وهي ما يدل على الإلحاق. أما الطرفان فقد يكونان حسيين وهو الغالب. وقد يكونان عقليين كتشبيه العلم بالنور والسيوف بأنياب الأغوال. اقول اما اولا فالحسي لا يقابله العقلي بل يقابله اللاحسي او الذهن اي الذهن من كل وجه، كما ان حصر الاطراف وتصنيفها غير مفيد وغير موضوعي فالأمر يتسع بسعة التجربة الانسانية ولا يحد حد.
وأما وجه الشبه فهو ما يتوهمه المتكلم وصفا جامعا سواء كان ثابتا في نفس الأمر أم كان ثابتا في العرف أم كان ثابتا في الوهم والخيال والأكثر حذفه في الكلام وقد يذكر لخفائه. اقول اما قوله يتوهمه المتكلم فغير تام فهو على اقل تقدير ما يدعيه، واما هذه التصنيفات فلا فائدة منها والمفيد هو مدى ظهور الوجه عند المخاطب وقوته في نفسه الذي سينتقل من المشبه به الى المشبه.
وأداته الكاف. وكأن. ومثل. وشبه. ومثل. ونحوها وهي إما ظاهرة نحو كالبحر وكلامه كالدر. أو مقدرة.






الحقيقة والمجاز
الحقيقة الكلمة المستعملة فيما وضعت له والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة الحقيقة وإنما قلنا اللفظ دون الكلمة ليشمل هذا التعريف المجاز المفرد والمجاز المركب كما سيأتي. اقول قد عرفت ان المجاز يقابله العهد. وان العهد هو الاستعمال وفق المعهود والمجاوز هو التجاوز الاستعمالي على المعهود.
وإنما قلنا المستعمل في غير المعنى الموضوعة هي له في اللغة سواء كان استعمالها في المعنى المجازي أقل من استعمالها في المعنى الحقيقي أم مساويا أو أشهر فإن المجاز قد يشتهر ويسمى بالحقيقة العرفية مثل الزكاة والتيمم. اقول وهذا غير تام واهمال لنظام التخاطب وتغليب لنظام اللغة وهذا لا يصح بل الصحيح هو الاهتمام بنظام التخاطب عن الحديث عن الكلام، فالحقيقة العرفية هي من التعاهد مع ان اللغة هي اصلا تعاهد ثم يترسخ وهذا هو الظاهر في نشوء اللغة وتطورها. فالاستعمال الجاري وفق المتعارف العرفي هو استعمال عهدي اي حقيقي وليس مجازا. وهكذا الاستعمال ضمن الاصطلاح فانه حقيقي وليس مجازي لان المقوم للحقيقية هو انه وفق تعاهد والمجاوز تجاوز للتعاهد. بل لو ان التعاهد كان على خلاف الوضع اللغوي فان الاستعمال يكون مجازا وتجوزا ان خالف التعاهد العرفي او الاصطلاحي او الفني. فالمرجع في الحقيقة والمجاز ليس أصل اللغة ولا تراثها ولا عامها بل المرجع هو اللغة العرفية ومعاصرها التخاطبي وخاصها الاصطلاحي. وإذا كان النص منقول من عصر فان المرجع عصر النص اي عصر النطق به وليس عصر الفهم ولا عصر أصل اللغة وهذا واضح. وهذا يقلل من اهمية عدم الاحاطة بأصول اللغة في بعض الموارد لان الاستعمال في زمن النص الشرعي معلوم ومضبوط كما انه يقلل من سلطة اللغة الاصلية على النص الشرعي لان ومن النص معتنى به ومضبوط واوجه التخاطب واضحة.

والقرينة ما يفصح عن المراد والعلاقة هي المناسبة التي بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي والعلاقات كثيرة. اقول بل المناسبة تتسع بسعة الانسانية فلا تعد ولا تحصى.
فالمجاز إن كانت علاقته المشابهة سمي استعارة وإن كانت علاقته غير المشابهة سمي مجازا مرسلا. اقول هذا غير واضح وانما الواضح ان المناسبة المجازية اما ان تكون واضحة مفهومة في نظام دائرة المعنى وهو ما يكثر في الخطب او انها غير مفهومة ولا واضحة وهذا ما يكثر في الشعر الحديث فالكل استعارة من المتكلم لكن الاولى استعارة نوعية عامة والاخيرة استعارة فردية خاصة. وهذا التقسيم ما عاد مهما الان.
الاستعارة

تنقسم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية. فالمصرحة هي التي صرح فيها بلفظ المشبه به والمكنية ويقال استعارة بالكناية وهي أن يستعار لفظ المشبه به للمشبه ويحذف ذلك اللفظ المستعار ويشار إلى استعارته بذكر شيء من لوازم مسماه نحو قول أبي ذؤيب: وإذا المنية انشبت أظفارها فقد ظهر من ذكر الأظفار أن المنية شبهت بالسبع.

التمثيل

وأما المجاز المركب فهو الكلام التام المستعمل في غير ما وضع للدلالة عليه لعلاقة مع قرينه كالمفرد.
ولا يختص بعلاقة المشابهة بل قد تكون علاقته غير المشابهة فيسمى حينئذ مجازاً مركباً فقط، وقد تكون علاقته المشابهة فيسمى استعارة تمثيلية وتمثيلا. اقول ان المجاز المركب واستعارته التعبيرية من اهم اشكال الادب التعبيري واجمله واكثره ابرازا لعمق التجربة في مجال اللغة، فان للغة عمق ومن يستطيع ان يثير اعماقها بعبارات ليست من مجالها هذا عمل كبير فيكون كم يضيء المناطق البعيدة بمصباح.





التجريد
هذا والبلغاء يتفننون فيأتون مع الاستعارة بما يناسب المعنى المستعار إغراقاً في الخيال فيسمى ذلك ترشيحاً وقد يأتون مع الاستعارة بما يناسب المعنى المستعار له إغراقاً في الخيال أيضاً بدعوى أن المشبه قد اتحد بالمشبه به فصارا حقيقة واحدة ويسمون ذلك تجريداً لأن الاستعارة جردت عن دعوى التشبيه إلى الحكم بالاتحاد والتشابه التام. اقول ان التجريد هو من أعظم اساليب البلاغة واكثرها عمقا في اللغة لأنها إدراك عميق باللغة والكلمات واستحداث للمعاني غير مسبوق، ولأجل ان هذه العلمية حرة فانه يمكن القول ان نظام اللغة نظام يتوسع و يكبر حجمه مع الزمن وان تتوسع و تتداخل حتى يصل الامر انه يمكن النظر – وفق جهة معينة- الى جميع المعاني الى معان موحدة قليلة ولذلك لا بد من التمييز بين المعاني و الاشياء، وان الاشياء محكومة بالخارجي بالخارجيات بينما المعاني امور ذهنية حرة لا يحكمها شيء.

الكناية
هي ما يقابل التصريح والمراد بها هنا لفظ أريد به ملزوم معناه مع جواز إرادة المعنى اللازم وبهذا القيد الأخير خالفت المجاز المرسل الذي علاقته اللزوم.
وهي تنقسم إلى واضحة وخفية فالواضحة هي التي لا تحتاج إلى إعمال روية نحو قولهم طويل النجاد كناية عن طول القامة، والخفية التي تحتاج لأعمال روية أما الخفاء اللزوم نحو عريض القفا كناية عن الغباوة وأما لكثرة الوسائط نحو كثير الرماد بمعنى كريم.







تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر
اقول في الحقيقة ستعرف ان هذا الفصل كله لا واقعية له وان مواردها كلها ترجع الى علم المعاني وأنها منطلقة من حقة تقدم البعد التخاطبي للنص على البعد اللغوي وحضور الارتكاز المعرفي في عملية التعبير والفهم وان الاولى ان يسمى هذا الفصل (بالقصدية المعرفية في الخطاب والتعبير). أقول في وصف هكذا نظام باللزوم مشكل بل ان وجود لزوم خفي مناقض لذلك، والصحيح ان هذا التبادر ناتج عن الاقتران العرفي الذي يترسخ في عالم الخطاب فيحقق الدلالة. ان من اهم الامور التي تصحح نظرتنا للغة هي اننا نهتم بعالم الخطاب بدل عالم اللغة، ونهتم بمنطقية الخطاب بدل منطقية اللغة. وربما نحتاج الى كتب في منطق الخطاب تختلف كثيرا عن كتب منطق اللغة.

ان البلغاء يتفننون في كلامهم فيأتون فيه بما لا يجري على الظاهر الشائع بين أهل البلاغة يقصدون بذلك التمليح والتحسين أو يعتمدون على نكت خفية يقتضيها الحال ولا يتفطن لها السامع لو لم يلق إليه ما يخالف ظاهر الحال.
فلا ينبغي أن يعد في خلاف مقتضى الظاهر ما كان ناشئاً عن اختلاف الدواعي والنكت مع وضوح الاختلاف كالوصل في مقام الفصل وعكسه لدفع الإيهام، ولا الإطناب في مقام الإيجاز لاستصغار السامع، لظهور نكتة ذلك، وكذا لا يعد ما كان ناشئا عن علاقة مجازية كاستعمال الخبر في الإنشاء ولا ما كان ناشئا عن تنزيل الشيء منزلة غيره مع وضوح لأنه من المجاز كالقصر الادعائي وكعكس التشبيه، فتعين أن يوضع ذلك ونظائره في مواضعه من أبوابه وإن كان فيه رائحة من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر من حيث أن الأصل خلافه وأن الذهن لا ينصرف إليه ابتداء وإنما يعد من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما لم يكن ناشئا عن نكتة أصلاً وهذا لا يوصف بموافقة مقتضى الحال ولا بمخالفته، وكذا يعد منه ما كان ناشئاً عن نكتة خفية لا يتبادر للسامع إدراكها بسهولة وهذا يوصف بأنه مقتضى حال لكنه خفي غير ظاهر.

الالتفات وهو انتقال المتكلم من طريق التكلم أو طريق الخطاب أو طريق الغيبة إلى طريق آخر منها انتقالا غير ملتزم في الاستعمال نحو الحمد لله رب العالمين إلى قوله ((إياك نعبد)) فإن مقتضى الظاهر أن يقول إياه نعبد وقوله ((والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه)) فإن مقتضى الظاهر أن يقال فساقه. اقول كثيرا ما يذكر هذا الا انه ليس له اسس تخاطبية واضحة بل الصحيح ان هذا من التعبير التخاطبي الذي ينبغي ان يخصص له حقل في علم المعاني وهو (تداخل المعاني) حيث يتعامل مع المعاني المختلفة بتعامل واحد اعتمادا على البعد التخاطبي وتقليلا من سطوة البعد اللغوي، ومن هنا يكون لازما ان تكون مقدمة البحث اللغوي هو التمييز بين اللغة والخطاب و بين مجال اللغة و مجال الخطاب و بين حال المعاني في ناظم اللغة و حالها في نظام التخاطب. ان تحرير عملية الفهم من سطوة اللغة ونقلها الى عالم الخطاب من اهم الامور التي اشار اليها القران لكن غفل عنها بل ان البعض قد غالى بالسلطة اللغوية فسموا بالظاهريين. والحقيقة ان النص الشرعي نص خطابي ملتفت الى المخاطب بشكل مركزي وليس لغويا مهمل للمخاطب واسس للنص التخاطبي المتفاعل المختلف كليا عن النص اللغوي الجامد. فقول اياك نعبد هو مسبوق بمقدر تقديره (الحمد لك يا رب العالمين) لكنه ذكر الظاهر وهو اسم الله مكان المضمر. وفي سقناه تقدير هو (انا نرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه)) فذكر الظاهر مكان المضمر.
ومنه أيضاً الأسلوب الحكيم وهو تلقي من يخاطبك بغير ما يترقب أو سائلك بغير ما يتطلب، بأن تحمل كلام مخاطبك (بكسر الطاء) على خلاف مراده تنبيهاً على أنه الأولى له بالقصد، وبأن تجيب سؤال السائل بغير ما يتطلب تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم له كقوله تعالى: ((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج). ومنه القلب وهو جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر لغير داع معنوي دون تعقيد ولا خطا ولا لبس ويقصده البلغاء تزييناً للكلام.  ومن النوع الثاني من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما تقدم في باب اٌسناد من تنزيل غير السائل منزلة السائل ومنه مخاطبة الذي يفعل بالأمر بالفعل لقصد الدوام على الفعل أو لعدم الاعتداد بفعله ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه لأن المستقبل مشكوك في حصوله. اقول وهذا من غريب كلامهم وهو اعتداء سافر على تخاطبية النص وتجاوز على خطابيته، وهذا كله من اساليب البيان المعتمدة على ما بين التراكيب من علاقات فكرية وعرفية وتركيز على المجال القصدي والوظيفي للحقائق، وان الثمرة و الاهمية في الجهة التي تنفع و تفيد و ليس في كل جهة. ان هكذا بيانات وتراكيب ترتكز على البعد المعرفي للتفاعل الانساني والنفعي التخاطبية بان يكون التخاطب واقعا ضمن هذا المجال. فهذا الاساليب تعكس فكرا فلسفيا ومعرفيا أكثر من كونه بلاغيا.
ومنه التغليب وهو إطلاق لفظ على مدلوله وغيره لمناسبة بين المدلول وغيره والداعي إليه أما الإيجاز وأما مراعاة أكثرية استعمال لفظ أو صيغة في الكلام فتغلب على اللفظ أو الصيغة وأما لتغليب جانب المعنى على اللفظ. اقول التغليب ما الاساليب المهمة التي ينبغي الالتفات اليها واحيانا تدرك بقرينة سياقية و احيانا اخرى تدرك بقرينة معرفية، وهذا الفصل كله يشير وبقوة الى تقديم البعد المعرفي و التخاطبي و المرتكزات على الدلالات اللغوية الاصلية، وهذا امر لا يصح التقليل من اهميته لان عدم التأكيد عليه سيؤدي الى سوء الفهم للنص عند البعض ليس بسبب النص بل بسبب الخطأ في فهمه.
فن البديع
اقول قد عرفت ان هذا الفن ليس من البلاغة بل هو فن ادبي خالص ومثله مثل الجماليات الادبية الاخرى المعنوية او اللفظية.
البديع هو المحسنات الزائدة في الكلام على المطابقة لمقتضى الحال وتلك المحسنات أما راجعة إلى معنى الكلام باشتمال المعنى على لطائف مفهومة تحسنه وتكسبه زيادة قبول في ذهن لمخاطب. وأما راجعة إلى لفظ الكلام باشتماله على لطائف مسموعة تونقه وتوجب له بهجة في سمع السامع.
والمحسنات البديعية كثرة لا تنحصر عدا وابتكارا ويكفي المبتدئ أن يعرف مشهورها من القسمين اللفظي والمعنوي.
أما المعنوي فمنه التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الذات.
ومنه المبالغة المقبولة وهي ادعاء بلوغ وصف في شدته أو ضعفه مبلغاً يبعد أو يستحيل وقوعه
ومنه التورية وهي أن يذكر لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد المعنى البعيد اعتماداً على القرينة لقصد إيقاع السامع في الشك والإيهام

ومنه التلميح وهو الإشارة في الكلام إلى قصة أو مسألة
ومنه المشاكلة وهي أن يعمد المتكلم إلى معنى غير موجود فيقدره موجوداً من جنس معنى قابله به مقابلة الجزاء أو العوض
ومنه تأكيد الشيء بما يشبه ضده حتى يخيل للسامع أن الكلام الأول قد انتقض فإذا تأمله وجده زاد تأكدا.
ومنه براعة الاستهلال وهي اشتمال أول الكلام على ما يشير إلى المقصود منه

وأما المحسنات اللفظية فمنها التجنيس ويسمى الجناس وهو تشابه اللفظين في النطق مع اختلاف المعنى. فإن كان التشابه في غالب حروف اللفظين فهو غير تام
ومنه القلب ويسمى الطرد والعكس وهو أن يكون الكلام إذا ابتدأته من حرفه الأخير وذهب كذلك إلى حرفه الأول يحصل منه عين ما يحصل من ابتدائه.

ومنها الاقتباس والتضمين فالاقتباس هو أخذ شيء من القرآن أو كلام النبوة والتضمين أخذ شيء من الشعر المشهور ومزجه مع الكلام نظما أو نثراً ولو مع اختلاف الغرضين ولو مع تغيير يسير.







المحتويات

مقدمة 1
علم المعاني 3
الإسناد 4
القصر 9
الخبر والانشاء 13
الوصل والفصل 15
الإيجاز والإطناب والمساواة 16
فن البيان 18
التشبيه 19
الحقيقة والمجاز 21
الاستعارة 23
التمثيل 24
التجريد 25
الكناية 26
تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر 27
فن البديع 32
المحتويات 35

























تلخيص احوال الاخبار






قراءة وتحنيل






















تلخيص
أحوال الأخبار


محب الدين
أنور غني الموسوي






تلخيص أحوال الاخبار
محب الدين انور غني الموسوي
دار أقواس للنشر
العراق - 1441










تقديم


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد واله الطاهرين. ربنا اغفر لنا ولجميع المسلمين.
هذا تلخيص لرسالة الشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله ابي الحسين الراوندي (المتوفي سنة 573 هـ) التي عرفت بعنوان (رسالة في احوال الاخبار). والتي تتعرض لبيان احوال الخبر ولمنهج العرض واخبار له. فعملت على تلخيصها والتعليق عليها.









مقدمة المحقق


قال المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (قد سمّاها جمع باسم: (رسالة في بيان احوال أحاديث اصحابنا)
(وبما انّ المجلسي لم يقف على الرسالة نفسها، بنفسه، وإنّما نقل ما نقل عنها، بواسطة (بعض الثقات) والمظنون ان الواسطة هو المحدّث الحرّ، والحر العاملي قد عبّر عن الرسالة بقوله: (سعد بن هبة الله الراوندي في رسالته التي فتصحَفت كلمة (الّفها) إلى (الفُقها) عند المجلسي.)
 (قد اثبت الناسخ في بداية النسختين ما نصّه: اختصار من (الرسالة) التي صنّفها الإمام الكبير السعيد، قطب الدين، شيخ الإسلام ، ابو الحسين ، سعيد بن هبة الله، الراوندي قدس سره ( في احوال الأخبار ) ويمكن الاطمئنان بكون الأصل المختصر منه هو نفس الكتاب المذكور في ترجمة القطب ، والذي اختلف الأعلام في تسميته بما ذكرناه  وذلك من خلال المقارنة بين النصوص المنقولة عنه ، في مختلف الكتب والمصادر ، وبين النصوص المثبتة في هذا الكتاب ، بحذافيرها .)

 قال المحقق (ومن مجموع هذه العناوين، يُعرف ان موضوع الرسالة إنّما هو (الحجج الشرعيّة) التي يمكن الاستدلال بها، سواء الموجب منها للعلم، او الظن، وما عليه دأب اصحابنا الإمامية من طرق الاستدلال.) ت: اقول هذا لا دليل عليه بل الواضح انها رسالة في احوال الاخبار وان ما نقله الناسخ هو مختصرها.
قال المحقق (وهذا يقتضي ان تصنّف هذه الرسالة علميّا في (اُصول الفقه). دون علم الرجال – الى ان قال ولا علم الدراية، كما نقل الطباطبائي، حيث قال وهو يتحدّث عن موضوع الرسالة: ومن اجل ذلك كان القطب الراوندي أوّل من الّف من أصحابنا في علم الدراية) ت: هذه الرسالة في علم الحديث أي علم الدراية، فكلامه غير تام، كما ان قول انه الراوندي اول من ألف في علم الدراية أي فيما وصلنا ككتاب وليس ككلمات واشارت، وأحاديث نقلها الروايات في كتبهم او لتلامذتهم. وان ممن يمكن ذكره في تبين الاخبار واحوالها ما قاله الشيخ الطوسي (ت460) في التبيان (وكيف يكون حجة ما لا يفهم به شيء؟ وروى عنه عليه السلام انه قال: (إذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط) وروي مثل ذلك عن أئمتنا عليهم السلام، وكيف يمكن العرض على كتاب الله، وهو لا يفهم به شيء؟)
وقال في التهذيب ( فهذان الخبران شاذان مخالفان لظاهر كتاب الله تعالى قال الله تعالى: (وأمهات نسائكم) ولم يشترط الدخول بالبنت كما اشترط في الام الدخول لتحريم الربيبة فينبغي أن تكون الآية على إطلاقها ولا يلتفت إلى ما يخالفه ويضاده لما روي عنهم (عليهم السلام) ما أتاك عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالفه فاطرحوه،)
 وقال ابن البطريق (ت 600) فهو معاصر للراوندي في العمدة (وخبر ابن ابي اوفى يتوجه الطعن عليه من وجهين: اولهما ظاهر كتاب الله، والثاني ما وجب بسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: إذا ورد لكم خبران مختلفان، فما وافق كتاب الله تعالى وسنتي فخذوا به، وما خالف الكتاب والسنه فاطرحوه.) (وظاهر الكتاب العزيز: الامر بالوصية على سبيل الوجوب، واخبار الرسول من الصحاح التي تقدمت، تدل على وجوب الوصية ايضا ، واجماع كل من قال بالإسلام على ذلك . وخبر ابن ابي اوفى، ليس يعضده كتاب ولا سنة ولا اجماع ، فثبتت الوصية لامير المؤمنين ( ع ) بما قدمناه ) .
 وقال الشيخ الكليني  (ت 339) في الكافي (" فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام) برأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله (عليه السلام): اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه).
وقفد خرج حديث العرض وهو في كيفية تمييز الحديث المقبول من غيره وهي مسالة علم الحديث والدراية بالخصوص كل من الحميري في قرب الاسناد و البرقي في المحاسن اضافة الى من تقدم والاصل في ما يخرجه المحدث من حديث انه اصل عنده، وهو ظاهر من طريقة تعاملهم مع الروايات والتطبيق يشتمل على التأصيل وان لم يبين ويؤلف له كتاب مستقل.


قال (نظرا إلى ما احتواه من الأحاديث، مع انّه يبحث عن حجّية الأخبار، فيمكن إقحامه في عنوان (علوم الحديث) من هذه الناحية.) ت: اقول بل هو منه بشكل واضح تأليف وغاية.
 
قال ( قال منتجب الدين : فقيه ، عين ، صالح ، ثقة )




(مؤلفاته في علوم الحديث :   عُرِفَ الإمام قطب الدين الراوندي بكثرة التاليف وجودته ، وإتقائه ، مع التضلّع في علوم عديدة ، وقد بلغت مؤلّفاته (58) كتابا ،– الى ان قال-  ضياء الشهاب ، شرح على شهاب الأخبار للقاضي القضاعي ) ت: اقول وبهذا يتبين عبور الفقهاء المحققون المذهبية والطائفية بشرح الراوندي لكتاب القضاعي.  وذكر بعضهم انه ( شرح الشهاب ايضا فضل الله بن علي الراوندي ، المتوفى سنة 519 و افضل الدين ، الحسن بن علي بن احمد المهابادي و برهان الدين ، ابو الحارث ، محمد بن ابي الخير، علي بن ابي سليمان ظفر الحمداني و جمال الدين ، ابو الفتوح ، الحسين بن علي بن محمد الخزاعي الرازي ، المتوفى سنة 550 هـ)











(متن الكتاب)  مقدمة

  (بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.   اختصار من الرسالة التي صنّفها الإمام الكبير السعيد، قُطْب الدين شيخ الإسلام، أبو الحسين، سعيد بن هبة الله الراوندي قدس سره، في أحوال الأخبار.) ت: اقول فهذا هو اسم الرسالة ( احوال الاخبار).










 (اعلم: انّ التواتر ـ في اللغة ـ يقع على الثلاثة فما فوقها.   والمراد به: الجماعة التي يستحيل عليها التواطُؤ على الأمر، لبعد ديارها، واختلاف أهوائها وآرائها، فمتى حصلتْ على ذلك وقع العلمُ بصحّة خبرها عند مشاهدتها.) ت: التواتر في اللغة هو التوالي والتتابع وهو يحتاج الى جمع يزيد على الثلاثة بكثير عرفا، واما يوجب القطع فيحتاج اضافة الى كثرة من رواه امور كثيرة تجعل الخبر كالعيان منها التواتر الكبير، وفي الاصطلاح ما يوجب القطع وهو هذا. واما تخاطبا فالتواتر لا علاقة له بالعلم وانما هو صفة للخبر الا انه قرينة لو اجتمعت من غيرها افادة الاطمئنان حتى يحصل القطع كما في النص القرآني الكريم.
 (ثُمَ هذا الخبرُ قد جاءَ بعينه في كثيرٍ من الشرع عنهم عليهم السلام، وعُدِمَ من بعضه: فما جاء فيه كالصلاة وحدودها، والزكاة وحكمها، والصوم وأحكامه، والحجّ وشرائطه، والنكاح ووجوهه والطلاق وصفاته وتحريم كلّ مسكر.) ت: ويقصد هنا التواتر المضموني ويسمى المعنوي، فان كثيرا من السنة متواترة معنى، أي مجموعة متوالية متتابعة من روايات متداخلة في مضامينها تؤدي الى دلالات ومضامين قطعية. والسنة القطعية لفظا حق، مع انها لا تنحصر بالتواتر بل مدارها الاتفاق والتسليم والثبوت والقرائن والشواهد وعوامل كثيرة تقلل الفردية والنسبية. فليس القطعي يعني بالضرورة المتواتر كما انه ليس كل متواتر قطعي.
 (وما عدم منه فكمسائل في الديات، ومسائل في الحدود، وابواب من العِدَد، ومسائل في حوادث محصورةٍ، وادعية جاءت في الصلوات والزيارات ونحوها. وهذا الجنسُ ـ وإنْ كان عُدِمَ منه التواترُ ـ فلم يُعْدَمْ منه دلالته القائمة مقامَ التواتُر، على ما نذكره.) ت: وهذا التقسيم غير مفيد بالمرة لأنه اولا القطع امر نسبي فردي وهو اعم من الثبوت والحجية و التواتر، و ثانيا انه التواتر بنفسه ليس سببا مستقلا للقطع بل يحتاج الى قرائن اخرى اضافة الى بلوغه حدا كبيرا كما هو واضح وثالثا ان قصد القطع و الضرورة يربك مفهوم الحجة والعلم في الشرع و الصحيح ان الحجة هو العلم وهو العلم العرفي الاطمئناني الذي تبنى عليه الحياة اليومية من دون تحليل او تفصيل بل هو هذا ما نتعامل به مع الاشياء والاخبار وهو واضح وجدانا وعرفا ولا يحتاج الى تفصيل واختلافه في الدرجات لا يعني اختلافه في القيمة، نعم تحقق العلم يمنع من تحقق ما يخالفه لان العلم لا يتناقض ولا يختلف، فالمقارنة ليس بين العلميات بل بين العلمي والظني. وان ما يجعلنا نتحدث في كل ذلك هو اقحام الظن في العلم وما كان ينبغي ان يحصل.

(2)  فصل في الاجماع


( إجماع الإمامية :   والذي يليه في الحُجّة لكونهم على الصفة التي يقول الله: (ولتكن منكم امّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف ويَنهونَ عن المنكرِ واوْلئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّناتُ واولئك لهم عذاب عظيم). ت: اما الاجماع فلا حجية فيه سواء كان لفرقة او للجميع، انما الحجة للقران والسنة وكل ما يستدل به للاجماع لا يفيد العلم. واما الامامية فلا ينبغي تحويل الاعتقادات الى طوائف وانما الصحيح ان يقال هناك مسلم يعتقد بالامامة الخاصة لاهل البيت عليهم السلام وهناك مسلم لا يعتقد بامامة اهل البيت الخاصة، وكلاهما مسلمان وليس لهم اسم غير الاسلام والمسلم والمؤمن، واما النزول من الاعتقاد الى الاسم والفرقة فلا ينبغي ولا وجه للتحزب له بل الدليل خلافه.
(ويدلّ على ذلك ـ ايضا ـ قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما كان الله ليجمع اُمّتي على ضلالة.) ت: هذا الحديث ليس له شاهد فيبقى ظنا، والقول انه يدخل في الاجماع قول امام الامة لا وجه له اذ ان واجب التصحيح الثابت ليس بالضرورة ان يظهر بالخلاف القولي بل عليه ان يصحح وهو غير منحصر باظهار الخلاف ، كما ان الامر نسبي في بلوغ امره الى الناس فلربما لا يعلم وربما يعلم اجمالا ويقلل من شانه باعذار كثيرة، بل لا حجية حتى في الضرورة والتسالم وهما اقوى من الاجماع لامكان تسبب عوامل كثيرة لهما غير الصدق. هذا من جهة العقل اما من جهة النص فلا دليل على حجية الجماعة بل ولا الضرورة ولا التسالم ولا كون أي منها علامة للحق. فالحق يعرف بنفسه لا بغيره، نعم تصديق المعرفة والشواهد المعرفية من علامات الصدق، وامر له شاهد من قران او سنة قائل به قليل اصدق من امر مجمع عليه ليس له شاهد من قران او سنة.
  (وهم الأمّة المقصودة بذلك، دُونَ من سواهم، بدلالة وجود المعصوم فيهم.) ت: هذا باطل لما تقدم اضافة ان الامام هو امام الامة وليس امام فرقة منهم ولا سبب لانحصار قوله في بعضها دون بعض، واحتمال وجوده في اقوال غيره وانعدامه في اقوالهم وارد.
 (ويدلّ عليه قولُ الصادق عليه السلام: (خُذوا بالمجمع عليه من حُكمنا، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) ت: الحديث له شاهد ومصدق والمجمع عليه أي السنة الجامعة المتفق عليها بين المسلمين ولها شواهد ومصدقات وهذا هو العلم القوي وليس العلم متات من الاجماع بل من حيث انه سنة قد اجمع عليها ولها شواهد ومصدقات دعت الى قبولها. وبعد كون الاجماع على السنة هو اجماع المسلمين فلا وجه لتخصيصه بجماعة منهم.

(3) فصل في  السفراء

( الذي يلي هذا الثاني في الحجّة: نقلُ متوسّط عن إمام ، في ما يلزم فرضُه في حال البلاغ ، ببلاغه ، لوجوب عصمته في الأداء، وإن عُدِمتْ ممّا عدا ذلك .   بدلالة حكمة القديم تعالى في تكليفه ، واستحالة إلزامه إصابة الحقّ بوساطة مَنْ يُبدّل ما حُمّلَ .   وهذه الصفة كانتْ في جماعةٍ من رُسُل النبيّ ووسائطه بينه وبين من نابَ عنه في شرعه .   وكذلك جماعة من رُسُل الأئمّة والأبواب الرسميّة الإماميّة ، خاصّة .  وإذا ثبتَ بصفة من ذكرنا خبر مروي ، كفي في حُجيّة روايته ، ووجب العلم بدلالته ، والعمل به .  ) ت:  هذا قول غريب جدا ومخالف للثابت من ان التسليم المطلق منحصر بالولي من نبي او وصي صلوات الله عليهما. مع ان التكليف عرفا يصل المكلف اما مباشرة من الكلف او عن طريق واسطة،  بل ان المباشر من البشر هو بواسطة الة الحس من سمع او بصر ، فالتبليغ والتكليف كله ينتهي الى توسط  بين الاخر و الاخر. وليس واضحا عرفا وجوب عصمة الواسطة من الخطأ لاجل وصول التكليف والعلم به، والواقع مبني على العلم ولا عصمة في شيء من وسائط ادراكه بل حتى الذاتي للانسان يمكن ان يخطئ الا انه ينكشف خطأه. ان العامل الاهم لاذعان العقل هو التصديق أي ان يكون للخبر له شاهد ومصدق من معارف ثابتة، ومن المعلوم ان اساس الايمان بالابلاغ عن الخالق الحكيم هو التصديق بالمخبر قبل فرض كونه معصوما اذ من الواضح ان فرض كون المخبر عن الله معصوما هو فرع تصديقه وهذا التصديق ناتج عن عوامل لا تدخل العصمة فيها والامر واضح عرفا وهناك من يجزم بالرسول والرسالة وان كان لا يشترط عصمة الرسول. كما ان حكمة التكليف تقتضي تحقيق صورة للمعرفة غير مختلفة و غير متناقضة لان العقل لا يقبل الاختلاف والعلم لا يقبل الاختلاف، واذا امكن تبين المعرفة مع وجود الاختلاف فلا ضرورة في عصمة المخبر لان الغرض متحقق وهو العلم بعدم الاختلاف كما انه اذا كانت العصمة شرطا لتبليغ الرسالة من دون خطأ الى المكلف ينبغي ايضا عصمة المكلف والمبلغ  اذ يمكن مع عصمة الناقل ان يحصل الخطا من جهة المتلقي فينتفي الغرض، كما ان وجود واسطة بين المخبر الاصلي وبين المكلف ايضا يجب ان تكون كذلك على هذا الفرض وهو منتف . و ما هو وجداني وعرفي ان الغرض التبليغي هو عدم الاختلاف و الصدق و الحق وهو بدلائل الحق والصدق من توافق وتناسق وعدم اختلاف وشواهد ومصدقات. هذا كلها من جهة المخبر عن الله ، اما المخبر عن النبي او عن الوصي فليس واضحا ثبوت عرفا هكذا عصمة تفكيكية وهذا شيء غير مفهوم وانما هناك اولياء بلوغ من المعرفة والعلم ما يحرز معهم الثقة والصدق من قبل الولي فياتي بهم النص بالتسليم لهم مطلقا ليس لعصمة بل لاحراز صدقهم وللعلم بعدم اخلال نقلهم بالغرض، هذا وان التسليم المطلق لغبر الولي من نبي او وصي لا شاهد له. وان سبب هذه الالتزامات هو اقحام التجريد العقلي والمنطقية العقلية التجريدية في الموضوعات الانسانية والامور الوجدانية العقلائية، حيث ان عرف العقلاء ووجدانهم و بناءاتهم الحياتية و تجاربهم الانسانية واسعة جدا و تحقق الاغراض العقلية بمعزل عن المنطق التجريدي، ولو ان البعض الفت الى هذه الحقيقة لادرك الخطأ الذي وقع فيه البعض من اقحام التجريد العقلي في الواقع العقلائي، و الذي يؤدي باغفال الخصوصية الواقعية الى شكل من القياس كما هو واضح لانه من اجراء كلي على اثنين مختلفين بالخصوصية.









(4) فَصل  في نقل العدل


( في نقل العدل :   والذي يلي هذا الثالث في الحجّة : نقل العدل عن مثله ما يتضمّن لزوم فعله ، دون المُباح والندب ، مع خُلُوّه ـ فيما نقل ـ من معارضٍ في الظاهر . بدلالة وجوب إظهار فساد ما كان في ذلك من الفاسد على المعصوم المنصوب لبيان مالا سبيلَ إلى بيانه إلاّ من جهته .) ت: العدل هنا هو بالمعنى الاخص أي الامامي ولا شاهد للتخصيص به بل الاصل اصالة صدق المسلم، ومن الواضح ان هذا الصنف هو اخر اشكال الحجة النقلية وهذا امر لا شاهد له من نقل او عقل او وجدان. فالخبر عند العقلاء يورث الظن سواء كان من عدل او غيره بل سواء كان من مسلم ام كافر فضلا عن العدل، فالاصل هو الظن في صدور الخبر و ليس الشك في الصدور، فان كانت هناك قرينة او شاهد على الصدق صدق وان كانت هناك قرينة على الكذب او الشك كذب او شك فيه والا بقي ظنا والظن لا يعمل به العقلاء، وهذا ما عليه صريح النقل ودلالة العقل. ولا يصح ولا يجوز العمل بالعلم ولا مجال للعمل بالظن، ولا ينحصر العلم بالخبر بنقل العدل كما هو واضح. واما قوله بعدم اشتراط العدالة في المباح والندب، فهو تام على ما قلنا الا ان ما هو غير تام اشتراط العدالة في الواجب، ولا فرق بينهما وجدانا وعرفا. وما عدم المخالف ففيه انه ليس مطلق المخالف مانع فمنه الظني ومنه غير الظني المتشابه واما وجوب اظهار الولي له فان الواجب هو تصحيح الامام للمعرفة وهذا لا ينحصر باظهار المخالف كما هو ظاهر.













(5) فصل  في علامة الخبر الذي لا يعمل به


(علامة الفاسد من الأخبار ) ت: قال المحقق:  كذا في النسخة فالمختصِر لم ينقل محتوى هذا الفصل ، بل اكتفى بذكر عُنوانه ، وسيكرر هذا في فصول قادمة .)  اقول والمقصود بفساد الخبر عدم حجيته أي انه لا يحقق العلم فهو اما ان يبقى ظنا او يعلم كذبه. والاصل في الخبر الظن أي الظن بصدور، فان وجد شاهد ومصدق صدق وصار علما، و الا بقي ظنا لا حجية فيه لانه ليس من العقلائية العمل بالظن، وان وجدت شواهد تدل على كذب يكذب، كما انه قد تكون هناك شواهد تورث الشك في صدوره  من دون تكذيب، ولا يصح تكذيب الخبر الا بالعلم. فالخبر بين ثلاث علم بصدق او علم بكذب وعدم علم بالصدق او الكذب فهذا هو الظن. والاول أي العلم حجة و الاخران ليس بحجة وفي وصفه بالفاسد او الباطل من دون العلم الكذب لا وجه له.




(6) فصل  ما لا يعمل بظاهره مما يعلم صدقه


(في علامة ما يسقط العمل به ، ممّا يقطع على صدق ناقليه ) ت: هنا فقط العنوان من دون بيان. والخبر الذي يقطع على صدقه الا انه لا يعلم به يقصد لا يعمل بظاهره، وهذا هو المتشابه الذي هو نص يعلم ثبوته الا انه يعلم ان ظاهره ليس هو المراد. فالمتشابه فيه علمان الاول ان يعلم صدقه وثانيا ان يعلم ان ظاهره ليس مرادا. اما العلم بالخبر او بصدقه فهو من خلال طريقة العقلاء بالنقل العرفي مع الشواهد أي نقل له شاهد ومصدق من المعارف الثابتة. واما العلم بان ظاهره ليس مرادا، فان الظاهر الاصل فيه الظن الا انه اذا كان له شاهد صار صدقا وعلما اعني الظاهر وليس كما يقال ان الظاهر ظن، فان هذا من الغرائب، فالعقلاء لا يعلمون بالظن كما ان الشرع لا يقبل الا العلم ، والظن لا يدخل في العلم، فالظاهر ان كان له شاهد صار علما وصدقا. وان لم يكن له شاهد فهو ظن نقلي لا يعمل به الا ان يحصل قطع نقلي بالتواتر مع عوامل وعناصر اخرى تثبت العلم بالنقل، وهنا يعمل بالظاهر القطعي النقل لانه علم ، سواء كان ظاهر قران او سنة قطعية وان لم يكن له شاهد ، وهنا يتبين موضوع العرض فانه للظني من النقل وليس القطعي. واما ان كان الظاهر مخالف للعلم و الثابت من معرفه فان يعلم انه ليس مرادا، فيكون متشابه، ويحمل على ما يوافق المحكم.



(7) فصل   ما لا يعمل به مما لا يعلم صدقه


(علامة ما يسقط العمل به مع الشك :   في علامة ما يسقط العمل به مع الشكّ في صدق ناقليه وطريق ذلك واحد ، وهو ما جاء عن الاَحاد ، متعرّيا من دلائل الصواب التي قدّمنا ذكرها ، ومتعرّيا (على) سواء كان الناقلُ له (حجّةً) من دلائل الفساد التي يجب القطع على عدم كونها ظاهر العدالة ، او على ظاهر الفسق : بدلالة قول الصادق عليه السلام : ( ولا تُكذّبوا بحديثٍ اتى به مرْجى ، ولا قدَري ، ولا خارجي ، فنسبَهُ إلينا ، فإنّكم لا تدرون . لعله شي من الحقّ ، فتُكذّبوا الله) . ت: اخرج الصدوق والبرقي عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا تكذبوا بحديث آتاكم مرجئي ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق فتكذب واالله عز وجل فوق عرشه . واخر الصفار عن أبي بصير، عن أبي جعفر أو عن أبي عبد الله عليهما السلام قال: لا تكذبوا بحديث آتاكم أحد: فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه.) وهذا الحديث لا شاهد له بل هناك شواهد على خلافه ثابتة علما تفيد انه اذا علم كذب الخبر كذب، فالحديث يحمل على الظن بالكذب وليس العلم بالكذب. والحديث ظني لا يفيد علما ولا عملا. كما ان استشهاده بالخبر   يميز بقوة بين العمل بالخبر وتكذيبه، فهناك اشترط العدالة بالمعنى الاخص و هنا ذكر عدم التكذيب مطلقا. واما قوله ( الشك في صدقه) فالذي يبدو انه مشروح بما بعده أي ليس له دلالئل صدق قد بينها ولان الكتاب مختصر وفصول محذوفة فلربما ذكر امورا غير ما ذكر، ومع ان بعض ما ذكر لا يستقل بنفسه ليثبت صدق الخبر الا ان هناك غيرها تثبت صدق الخبر وان عدمت تلك الدلائل واهمها وجود شاهد ومصدق، و لربما هو يقصد عدم الشاهد والمصدق ).






(8) فصل  علل اختلاف الاخبار


(في علل الاختلاف في الاخبار) ت: الفصل محذوف وفي ضوء ما يليه فانه يتعرض للاختلاف مفهوما ثم علله، والاختلاف حقيقة هو تعارض لا يجد العرف التخاطبي توفيقا بين المتعارضين، وهو ما نسميه التعارض المستقر وهو بخلاف التعارض الابتدائي الذي هو ليس بتعارض وينحل بالتوفيق كحمل العان على الخاص. وان علل اختلاف الاخبار كثيرة تتعدد بتعدد عللها عرفا، وكلما ما يمكن ان يكون سببا في اختلاف الاخبار العرفية يمكن ان يكون في الاخبار الشرعية. ولحقيقة ان مصدر الشرع واحد فالعرف لا يقبل الاختلاف، ومن هنا لا يقبل القوب باختلاف الاخبار عن الشرع أي من الولي نبيا كان او وصيا وعند بلوغ الاختلاف اما ان يحكم بان احدهما او كلاهما ليس علما والباقي ظن او ان احدهما او كلاهما متشابه ان علم ثبوتهما. و باختصار ما يخالف الثابت من معارف أي ما يخالف محكم القران ومتفق السنة اما ان يعلم ثبوته بالنقل مستقلا لتواتر مقرونا بعناصر تصديق اخرى حينها حينها يعلم ان ظاهره غير مراد وانه متشابه فيحمل على ما يوافق المحكم، و اما انه لا يعلم بالنقل المستقل حينها يكون ظنا ومخالفته للثابت المحكم تورث الشك فيه وان وجدت علامات تثبت العلم بذكبه كذب، و ليس من هذه الاقسام المعلوم المنسوخ لانه وان خالف المحكم الا ان التوفيق حاصل ولا مخالفة مع التوفيق وهكذا التخصيص والتقييد المعلوم  فانها توافقية و ليس باختلاف حقيقي . فالحديث المختلف هو المخالف للثابت وبهذا يعلم اختلافه، فهو اما يعلم صدوره من الولي فيكون متشابها واما لا يعلم فيكون ظنا ومن الظني ما يظن انه منسوخ او مقيد او مخصص فان الظن لا يدخل في العلم. واسباب وجود المخالف الظني كثيرة منها الكذب والوهم وغيرهما ولا يصح وصف خبر باي وصف وجودي الا بعلم ويكفي في عدم العمل القول انه ظن والظن حكم وجودي ثبت علما باسبابه وغيره من اسباب وعلل لا بد ان تعلم ولا يكفي فيها الظن ولا نقل النقلة التي ليس لها شاهد، كم ان الطعن بالمسلمين لا يجوز وان كاتن علما ولا يجوز نقله تحت أي عذر، و عدم العمل بالخبر غير محتاج الى ذلك فان المميز هو مخالفة الثابت من معارف وموافقتها .






(9) فصل . علل اشتباه اختلاف الاخبار


( في علل الشبه في الاخبار :  في علل الشُبَهِ في اختلاف ما ليس بمختلفٍ من الأخبار : اوّل ذلك : عموم ظاهر القول مع خصوصه في نفسه ، وورود  خصوصه ، فتلبّس ذلك على السامع ، قبل السَبْر ، فيقضي بالعموم .
  والثاني : خصوص ظاهر القول ، مع عمومه في نفسه ، وورود عمومه فيقضي السامعُ ـ قبل التامل ـ بعمومه ) ت:  ما في الكتاب ( التامل بوجوبه) وهو تصحيف بين .و السياق و الشواهد تفيد ما ذكرته (التامل بعمومه).
(  والرابع  التضمن الذي للكراهة دونَ الحَظْر ، وورد بيان ذلك ، فيقضي السامعُ ـ قبل البحث ـ بحظرِهِ .) ت: يلاحظ عدم ذكر (الثالث) . والظاهر هو ما ظاهره الكراهة وارادة الحظر. واما كلمة ( التضمن ) هنا فالظاهر ارادة تضمنه الكراهة رغم ان ظاهره الحظر.  وقوله (اختلاف ما ليس بمختلفٍ) تام جدا ، فان الاختلاف عرفا في النصوص هو عدم توافقها دلاليا وان من التوافق الدلالي التخصيص بالمخصص و التقييد بالمقد، ومن هنا يعلم ان الشبهة هي بسبب المتلقي و ليس النص. واما كلمة (وروود) فظاهرها الرادة النص الظاهر، وفي الحقيقة هذا الكلام من التعامل مع الخطاب بلغوية، الا ان الخطاب هو ليس لغويا بل تخاطبيا، ولذلك فالتوجيه الدلالي ليبس فقط بالنصوص بل بالمعارف، فكما ان النصوص توجه الدلالات فان المعارف ايضا توجهها، بل ان القرينة المعرفية اهم واقوى واكثر الشبه تكون بسبب عدم تمييز القرينة المعرفة بسبب عدم الرسوخ في العلم. كما ان خطابية الخطاب تلفت النظر الى المعنى التفهيمي الاخطاري والذي يختلف عن المعنى التحليلي المفهومي، فاحيانا وبسبب لغوية التعامل يحمل النص في موضع الخطاب على المعنى المفهومي وهو ليس مرادا بل المعنى في مجال الخطاب تفهيمي اشاري تخاطبي وليس مفهومي، فهناك فرق بين ما يفهم من النص و ما يعرف منه، وهذا التمييز مهم جدا ويحل اشكالات كثيرة وهو العامل الاهم لازالة نقاط الاختلاف. وهو حق رغم انه لا قائل به سابقا.






(10) فصل  في عرض الاخبار على الكتاب


(في عرض الأخبار على الكتاب : ) ت: هذا من اهم فصول الكتاب و هو يثبت عمل المتقدمين بهذا الحديث وان الهجران صار من المتاخرين، كما ان العرض لا يختص بالاخبار بل بالمعارف وهو كل ما ينسب الى السريعة ليس لدلالة الاخبار على ذلك بل لان الوجدان والعرف تثبت ذلك ايضا، والعرض على الكتاب هنا بنحو التمثيل والاجمال فالمراد العرض على الكتاب والسنة وورد في ذلك نصوص و العرض على المعارف المعلومة الثابتة من محكم الكتاب و متفق السنة فليس العرض على الفاظ الايات والروايات بل على المعارف.
 (اخبرني الشيخان : محمّد ، وعلي ، ابنا عليّ بن عبد الصمد ، عن ابيهما ، عن ابي البركات ، عليّ بن الحُسين ، عن ابي جعفر بن بابويه : نا ابي : نا سعد بن عبدالله ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن ابي عُمير ، عن هِشام بن سالم ، وهِشام بن الحكم ، عن : ابي عبدالله عليه السلام : قال ( خطَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس بمنى ، فقال : ايّها الناسُ ، ما جاءكم عنّي يُوافق القراَن فانا قُلتُهُ ، وما جاءكم يُخالف القراَن، فلم اقُلْهُ) ) ت: قوله ( ما جاءكم عنا) يحمل على الحديث، الا ان العلافة المستنبطة من الحديث هي ايضا تنسب الى الحديث فهي منه بهذا الوجه، فالتوسع في معنى الحديث امر في غاية الاهمية وهو حق. فالنص ليس فقط منطوقه بل دلالاته كما انه ليس دلالاته الفردية بل المحصلة المعرفية مع دلالات غيره لتحقيق معارف هي حق وصدق عند العرف بحسب تعامله من النصوص. و اما قوله ( فانا قلته) هذا حكم بالصدور وهو نص، وهو يفيد العلم بحكم النقل مع ان العلم بالصدور بالموافقة هو بحكم  الوجدان وعرف العقلاء، فان الاصل عند العقلاء في الخبر الظن، أي ظن الصدور فان وجد شاهد علم الصدور. والموافقة هي بالشواهد للقرائن المعرفية لكثيرة سواء النقلية او الوجدانية العقلائية. والمخالفة هي وجود ما يخالف او عدم الشاهد، وكون عدم الشاهد مخالفة ليس تخصيصا للفهم العرفي والوجدان بل هو منه لانه في حالة المعارف المتوافقة المتشابه مضمونا التي يصدق بعضها بعضا حينما ياتي مضمون ليس بهذه الصفة فانه يخالف المعرفة الثابتة من حيث كونه غير مصدق. فالمضمون الذي ليس له شاهد مخالف لمحكم القران والسنة مخالفة معرفية نفسية ذاتية وبالتالي وظيفية غرضية، فالمضمون ينظر اليه بما فيه من معرفة حكمية دلالية وينظر اليه بما هو اداة وناقل وحاو للمعرفة والاول نظرة لوظيفته وغرضه والثاني نظرة اليه بنفسه وكلاهما يتاثر بالاخر في الاطمئنان لعدم التفكيك، وحينما يكون المضمون بلا مصدق وبلا شاهد فانه يكون مخالفا بذاته ونفسه ومن حيث كونه اداة ودليلا لباقي المعارف. أي انه مخالف دليليا للمعرفة. فالمضمون معرفة ودليل على المعرفة وكونه دليل على المعرفة ايضا معرفة فيثبت لها المخالفة الموافقة. فالمضمون الذي ليس له شاهد من القران و السنة مخالف للقران و السنة من جهة دليلته و ذاته لان المعارف القرانية والسنية الدليلية تتضف بالمصدقية والشواهدية وهو لا يتصف بذلك.


 (وعن ابن بابويه : نا محمّد بن الحسن : نا الحسين بن الحسن بن ابان ، عن الحُسين بن سعيد ، عن محمّد بن ابي عُمير ، عن الحسن بن عطيّة ، عن محمّد بن مسلم .   قال ابو عبد الله عليه السلام : (يا محمّد ، ما جاءك من روايةٍ من بر او فاجرٍ ، يُخالف القراَن فلا تاخذ بها ) .) ت: هذا نص في عدم حجية الخبر المخالف للقران وان كان المخبر بارا أي ثقة عدلا . والقران هو مثال للمعارف الثابتة المستفادة من محكم القران ومتفق السنة، سواء كانت معارف اصلية نصية او فرعية متفرعة منها . كما ان في الفاظ اخرى حجية الخبر الذي له شاهد من القان والسنة وان لك يكن الراوي ثقة.
(  وعن ابن بابويه : نا محمّد بن موسى بن المتوكّل : نا عليّ بن الحُسين السَعداَبادي ، عن احمد بن ابي عبد الله البرقيّ ، عن ابيه ، والحسين بن سعيد : عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن كُليب الأسدي : سمعت ابا عبد الله عليه السلام ، يقول : ( ما اتاكم عنّا من حديثٍ لا يصدّقهُ كتاب الله فهو باطل ). ) ت: اهمية هذا الحديث تكمن في انه ذكر لفظة ( يصدقه) أي له شاهد ومصدق منه فليس الموافقة عدم المخالفة بل الموافقة هو وجود شاهد. وعند عدم وجود شاهد فهذه ليست موافقة بل مخالفة كما بينت سابقا. وفي لفظ (باطل) وهو ما يقابل الحق الذي دلت الدلالئل القرانية والسنية ان المصدق هو الحق، فالحديث حق وباطل ، و الصحيح هو الحق ويقابله الباطل و ليس الضعيف و الصحيح هو الحق و ليس صحيح السند الذي لا دلالة في تلك الصحة السندية على انه حق.
  ( وعن ابن بابويه : نا محمّد بن موسى : نا عبد الله بن جعفر ، عن احمد بن محمّد بن عيسى : عن الحَسن بن محبوب ، عن سَدير ، قال : كان ابو جعفر ، وجعفر يقولان : ( لايُصَدَقُ على عليّ إلاّ ما يوافق الكتابَ ) ) (وعن ابن بابويه : نا محمّد بن الحسن : نا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخطّاب ، عن جعفر بن بشير ، عن ابي سلمة الجمّال : .). ت: هذا اللفظ وان كان صحيحا الا انه منفرد، وعن سدير في تفسير العياشي (عن سدير قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله.). والذي يبدو لي ان بعض الاحاديث اديت بالمعنى الا ان الاصل التعدد.
 (وعن ابن بابويه : نا محمّد بن الحسن : نا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخطّاب ، عن جعفر بن بشير ، عن ابي سلمة الجمّال : .عن ابي عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( قد كَثُرت الكذّابة علينا فاي حديثٍ ذُكر ، يُخالف كتابَ الله فلا تاخذوه فليس منّا ). ت: لفظة ( علينا) غريبة والمعروف (علي) ولفظ الحديث كالمتواتر، و الظاهر ان التادية بالمعنى.
 (وعن ابن بابويه : نا ابي : نا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن ابن ابي عُمير ، عن هِشام بن الحكم : عن ابي عبدالله عليه السلام : ( خطب رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ، فقال : يأيّها النّاسُ ، ما جاءكم عنّي يُوافق القراَن فأنا قلتُه ، وما جاءكم يخالف القُراَنَ فلم أقلهُ) ). ت: عرفت ان الموافقة هي وجود الشاهد والمصدق و القران هو المعارف الثابتة المعلومة من محكم القران ومتفق السنة.
 (وعن ابن بابويه : نا ابي : نا  سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن ابي عمير ، عن جميل بن درّاج : عن ابي عبد الله، قال : ( الوقوف عند الشُبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إنّ على كلّ حق حقيقةً ، وعلى لكلّ صوابٍ  نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفَ كتاب الله .فدعوه ) ت: اقول عن العياشي عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي صلوات الله عليهم قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه، إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه. وعن الامالي السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه. وهذا المضمون هو المتجذر و الراسخة بخصوص هذا المسالة في المعارف القرانية والسنية وهو حاكم على غيره من اعتبارات وهو الموافق للوجدان و العرف العقلائي والشواهد عليه، وبهذا يتبين مجال اصالة صدق المسلم بانها مطلقة في غير النقل المعرفي، أي في الاخبار عن الخارج الذي لا يتصل بمعرفة دينية لان الظواهر احداث لا دستور لها سوى الواقع ، فهو مرجعها اما الشريعة فان لها معارف ثابتة هي مرجعها ترد اليها ، فينبغي لكي تكون صدقا وحقا ان يكون هناك اتصال. فيمكن القول ان هناك دوما للاشياء واقع منطقي وواقعية الظواهر ومنطقيتها هو هذا الظاهر الذي نعيشه بقوته ، واما المعارف فواقعيتها هو ان تكون متصلة وهذا ما نسميه منطقية المعرقة الذي يحقق واقعيتها، ومن هنا فاصالة صدق المسلم تعطي لخبره تقدما ظنيا الا ان العلم به يحتاج الى اتصال معرفي أي شاهد ومصدق.
( وعن ابن بابويه : نا محمّد بن الحسن : نا الحسين بن الحسن بن ابان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النَضْر بن سويد ، عن يحيى بن عمران ، عن ايوب : سمعتُ ابا عبد الله عليه السلام ، يقول : ( كلّ شيٍ مرْدود إلى الكتاب والسنة ، وكلّ حديث لا يُوافق كتاب الله فهو زُخرُف ) ـ ت: زخرف أي باطل أي ليس بحجة وان جاء بصورة الحجة وهو يشير الى رواية المسلم او العين والوجه والمقدم من المسلمين، فلا ينظر الى الراوي مطلقا بل الى المضمون وهذا تقدم فكري معرفي لكن للاسف لم يؤخذ به و ركن الى الاتصال السندي الذي لا يحقق ما يحققه الاتصال المعرفي المتني.








(11) فصل  مناقشة منهج العرض


( ومن العامّة من يدفع صحّة عرض الأخبار على الكتاب . - قالوا : لا نجد ما يشهد على انّها سَبعَ عشرة ركعة ، في اليوم والليلة ، وكذلك لسنا نجد ما يشهد بصحّة نصف دينار من عشرين دينارا من الذهب ، ولا ما يفسد ذلك ، ولا ما يُصحّح الزكاة في مال اليتيم ولا ما يُفسد ذلك . - فلو كان ما ادّعيتموهُ صحيحا ، وكان الخبر عن الرسول ثابتا ، لسقطتْ هذه الفرائض كلها ، وبطل حكمها ، وسقط منها ما يُشاركها في الصفة ، وسقط اكثر السنّة واعلم انّ القوم إنّما اُتوا ـ في غلطهم هذا ـ من قِبَلِ ذهابهم عن كيفيّة العرض وما يجب منه) ت: وهذا تام وهذا الاعتراض من الاعتراضات التي وجهت لنهج العرض وحديث العرض وهو ناتج عن غلط في فهم كيفية العرض وما يجب عرضه والعرض عليه. فالعرض يكون للاحاديث الظنية وللمعارف الظنية وليس القطعية المستقلة بذاتها في النقل لرسوخها وتواترها وقيام القرائن النقلية عليها فهذه لا تعرض ، واما الكيفية فالعرض ليس على منطوقات لفظية عينية وانما العرض على المعارف المستخلصة المتكون من مجوع الادلة والمحفوظة في الوجدان والصدور. فان غاية العرض هو اثبات الصدور من خلال التوافق والتناسق، فالسنة القطعية هي من المعروض عليه لا المعروض.

(12) فصل . عرض الاخبار على المذهبين


(في عرض ما اختلف من الأخبار على المذهبين: ـ ) ت: هنا يصرح المصنف باعتماده هذا الاصل، ويورد هنا رواياته، لكن من الواضح ان هذا المضمون وهذا المعرفة ليس لها مصدق من الجهتين، سواء بعرض الخبر على ما عند الخاصة او بعرض الخبر على ما عند العامة، فلا موافقة الخاصة فيه تقوية و تقديم ولا في مخالفة العامة تضعيف او تمريض. هذا وان التسميات الفرعية في المسلم تكون جائزة ولا باس بها الا اذا ادت الى فرقة كدخول التولي و التبري فيها فانه لا يجوز التبري من مسلم و كتخصيص طرق المعرفة من فهم او رواية فان الرفض على اساس المذهب والطائفة للقول او الرواية لا وجه له ومخال لاصول كثيرة، ومنها الاعتداد باجماع دون اجماع و الرجوع الى مشهور دون مشهور، فينبغي ان تبقى التسميات ان كان لها ضرورة ان تبقى شيئا تعريفيا تذكيريا ارشاديا ولا يصل الى مجال البراءة العملية او العلمية، لا يصح هذا مطلقا ولا يقبل أي معرفة من فهم او رواية او قول من هذا النحو فكله خلاف الاصول الثابتة.
(بالإسناد المذكور : عن ابن بابويه : نا ابي : نا  سعد بن عبد الله، عن ايوب بن نوح ، عن محمّد بن ابي عُمير ، عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله .  قال الصادق عليه السلام : (إذا ورد عليكم حديثانِ مختلفانِ ، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله، فذروه ، ) ت: هذا هو المصدق من الحديث وفيه زيادة  أي ملاحظة مخالفة العامة غير مصدقة وليس لها شاهد لم نثبتها. وتفكيك الرواية أي تقطيع مضامينها تام لان العرض للمضامين فاذا تعدد المضامين في الرواية وكان احدها صحيحا له شاهد والاخر ليس صحيحا وليس له شاهد ومصدق، اخذ بالصحيح الحق المصدق وترك الاخر. وهذا من اهم اوجه تطبيقات العرض انه للمضامين وليس للروايات.

(  وعن ابن بابويه : نا  محمد بن الحسن: نا محمّد بن الحسن الصفّار نا محمّد بن عيسى  ، عن رجُلٍ ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن السريّ : قال ابو عبد الله: ( إذا ورد عليكم حديثانِ مختلفانِ فخذوا بما خالف القوم ). ) ت: هذا الحديث لا مصدق له ولا شاهد من قران او سنة، فهو غير صحيح لا يفيد علم ولا عملا.  وتوسط رجل بين محمد بن عيسى يونس ليس معروفا فان ابن عيسى تلميذ يونس.


 (وعن ابن بابويه : نا  محمّد بن موسى بن المتوكّل: نا عليّ بن  الحسين السعد اَبادي : حدّثنا احمد بن ابي عبد الله البرقي ، عن ابن فضّال ، عن الحسن بن الجهم: قلتُ للعبد الصالح: هل يسَعُنا ـ فيما يرد علينا عنكم ـ إلاّ التسليم لكم ?.   فقال : (لا والله، لا يسعكم إلاّ التسليم لنا ) . ( ت: هذا حديث صحيح له شاهد ومصدق وهو الطاقة لله ورسوله والوصي وهو من جوهر الدين وورد التسليم  نصا في القران وطاعة ولي الامر نص فيه ايضا. وهو يبين ان العرض ليس للعلم فما علم انه عن الله ورسوله وجب العمل به و ما لا يعلم لا يعمل به الا مع شاهد ومصدق. وقد فهم بعض المتقدمين كبعض المتأخرين ان التسليم للعلم والظن فعملوا بالظني من الاخبار سواء وجد الشاهد ام لم يوجد وخصصوا وقيدوا القران بالظن وهذا غير تام فالسنة التي تخصص القران هي القطعية المعلوم وليس الحديث الظني (الاحاد) الذي ليس له شاهد. وعدم تخصيص الظني ( الاحاد) للقران ليس لان التخصيص والتقييد مخالفة وانما لا الظن لا يصلح لتقييد القطعي.

( وعن ابن بابويه : نا ابي: نا سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بنعيسى ، عن محمّد بن ابي عمير ، عن ابي حمزة ، عن ابي بصير ، عن : ابي عبد الله مّن ذكره .   عن ابي عبدالله عليه السلام ، قال : ( ما أنتم ـ والله ـ على شيء مما هم فيه ، ولا هم على شيء مما أنتم فيه ، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء .)  ت: هذا حديث لا شاهد له ولا مصدق فلا يفيد علما ولا عملا بل هو مخالف لما هو ثابت منطوقا بما لا يقبل الجمع مما يورث الشك بكذبه لكن لا يكذب الا بعلم ولا يكفي الظن. فالحديث ليس صحيحا ويشك انه كذب. حتى ان المجلسي لم يخرجه لنكارة لفظه. مع ان ما يتفق عليه المسلمون اكثر مما يختلفون فيه وان كثيرا من العلم هو مبثوث بين المسلمين، وان الاختلاف بين الشيعة وغيره هي امور لا تبطل دين الاخر ولا معارفه وصدقه.

 (وعن ابن بابويه : نا ابي : نا سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد ، عن بن حفص ، عن سعيد بن يسار ، عن : ( علي بن الحكم عن عمر ) بِقول ابي عبد الله عليه السلام : ( إن الناس ما علموا من اُمور الدين شيئا (عن) علي فيخالفونه ) ( إذا علموا ).) ت: اقول المتن مضطرب ولم اجده في الجوامع وهناك لفظ يقاربه في البحار ( وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشئ لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس. )  وهذا المضمون بكل الفاظه لا يصح ولا شاهد له ولا مصدق فلا يفيد علما ولا عملا بل هو مخالف لما هو ثابت ويشك انه كذب. فلم يخرج في الجوامع والمعلوم ان المسلمون كافة يتبعدون بقول علي صلوات الله عليه ويعرفون فضله وعلمه.

( وعن ابن بابويه : نا محمد بن الحسن نا محمد بن الحسن الصفار ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن ابي عُمير ، عن داود بن الحصين ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا ، وأن من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق عدونا في قول ، أو عمل فليس منّا ، ولا نحن منهم . ) ت: هذا حديث لا شاهد له ولا مصدق فلا يفيد علما ولا عملا بل هو مخالف لما هو ثابت منطوقا بما لا يقبل الجمع مما يورث الشك بكذبه لكن لا يكذب الا بعلم ولا يكفي الظن. فالحديث ليس صحيحا ويشك انه كذب. فان الموافقة والاتفاق كثير بين  المسلمين، و ليس هناك عداوة بين المسلمين وكل مسلم هو يوالي و يتشيع لاهل البيت، واما الاعتقادات الخلاصة الدقيقة الاختلافية فلا تصنع عداوة ولا براءة ولا تقطع ولاية.


(وعن ابن بابويه : نا  محمد بن موسى المتوكّل : نا عليّ بن الحسين السعداَبادي : نا   احمد بن ابي عبد الله البرقي ، عن ابيه ، عن محمد بن عُبيد الله   ، قلتُ لأبي الحسن الرضا عليه السلام : كيف نصنعُ بالخبرين المختلفين ? فقال : (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فانظروا ما يخالف منهما اخبارَ العامّة ، فخذوه ، وانظروا ما يُوافق اخبارهم فَدَعوه ) . ) ت: هذا حديث لا شاهد له ولا مصدق فلا يفيد علما ولا عملا بل هو مخالف لما هو ثابت منطوقا بما لا يقبل الجمع مما يورث الشك بكذبه لكن لا يكذب الا بعلم ولا يكفي الظن. فالحديث ليس صحيحا ويشك انه كذب. فان كثيرا مما يتفق عليها الفريقان هو مصدر العلم واساسه وحقيقته وهل يكون علم يرد اليه الا ما اتفق عليه المسلمون. بل الصحيح الموافق للقران والسنة هو ان ما اتفق عليه المسلمون وله شاهد ومصدق من القران والسنة فهو الحق. والاختلاف في الرواية يكون على مستوى روايات المسلمين ولا وجه لتخصيصها ببعضهم. و لو تضيق احدهم من دون وجه فاذا اختلفت روايات الشيعة، وجب الاخذ بما وافق القران والسنة وان وافق العامة وترك ما خالف القران والسنة وان خالف العامة. فاذا وافق ما وافق العامة روايتهم او قولهم وجب الاخذ به ان كان موافقا للقران ولم يصح الاخذ به ان خالف القران والسنة، و ما خالف العامة وجب الاخذ به ان وافق القران والسنة و لا لم يصح الاخذ به ان خالفهما. فالخلاصة اذا اختلف حديثان ترويه الشبعة اخذ بما وافق العامة ان كان موافقا للقران والسنة. وهذا من مصدق منهج العرض وهكذا كل مسلم يتحزب لطائفة فان روى اصحابه خبرا وافق القران والسنة اخذ به وافقه الغير ام خالفه وان خالف القران والسنة تركه وافق قول الغير وروايته ام لا. وان تقسيم المسلمين بحسب الروايات والكتب و الفقهاء بما يكون مصدرا لتوجيه المعرفة و تمييزها لا وجه له وهو من الحكومة و التحكم على القران والسنة، فيصير المعنى ان كل فهم للقران والسنة وكل حديث  لا يصح الا عن طريق روات الاصحاب و فقهائهم وكتبهم، وكل فهم للقران والسنة و رواية لا يرويها الاصحاب لا يعمل بها ولا يؤخذ بها وان وافقت القران والسنة. وهذا من عجيب ما حل بالمسلمين من فرقة وهل الفرقة الا هذه.











(13) فصل .  كيفية العرض


(في كيفية العرض :  وعلّة من انكر عرض الخبرين ، على المذهبين : اما العامّة : فواجب إنكارها .  والخاصة : فواجب إقرارها به عامةً .) ت: يبدو ان الفصل فيه حذف  ففان العنوان اشتمل على مسألتين منفصتين، فاما كيفية العرض فيكون بعرض الخبر الظني على الثابت المعلوم من معارف القران والسنة. واما انكار العرض على المذهبين أي عرض الخبر على المشهور من المذهب، وهو لا شاهد له ولا مصدق، الا ان يراد بالمذهب  المعارف الثابتة من القران والسنة وليس ما اختص به من معارف غير متفق عليها، فالعرض على المتفق عليه من معارف القران والسنة وما ثبت عن ذلك بالتصديق والشواهد. والعرض كفيل بانهاء المذهبية ، الا ان المصنف يطرح اطروحة تمكن من منهج العرض ضمن المذهبية وهي اولا مبتعدة عن روح وجوهر العرض وثانيا انها لا تقدم عصمة للمعارف لانها ضيقة و جزئية والعصمة المعرفية والاتصال تحتاج الى شمول وكلية وسعة، وان العرض على المذهبي هو اساس تشكل و تبلور المذهبي، فالعرض واخذ ما يوافق المذهب وترك ما يخالفه يؤدي شيئا فشيئا الى تشكل صورة كاملة للمذهب ثم الطائفة عند التمايز خارجا واجتماعيا. فالعرض على المذهب خطر جدا ومخالف لاغراض العرض كما انه الية ناقصة لا تستوفي الية العرض التي هي العرض على القران والسنة وليس العرض على المذهب.
 هذا بخصوص العرض على المذهب واما العرض على الكتاب ،فان الصحابة والتابعين و السلف عملوا بالعرض تطبيقا والمعلوم ان الامام مالك استخدم العرض في اختيار احاديث الموطأ، هذا وانا التبعية للقران والسنة وهما ظاهرها في العرض بل فيهما نص عليه، فلا حجة لتارك العرض. وان المخالفة لم تأتي الا من جهة تغير مفهوم القرينة، وهو الذي حدث عند غيرهم فالكل يدرك انه لا بد من قرينة تميز ما يقبل مما لا يقبل وان هذه القرينة لا بد ان تكون موافقة لوجدان العرف و سيرة العقلاء في قبول الاخبار، والحق ان الوجدان والعقلاء يجدون التصديق والشواهد هي مما يوجب الاطمئنان للخبر، اما المشهور فانهم رأوا ان الاسناد هو قرينة لكن هذا غير واضح كعامل حاسم في القضية و كعلامة مميزة للعلم من الظن و الحق من الباطل والكل يقر ان الحديث الصحيح السند ظن ولا يقول احد انه علم ، بينما الحديث المصدق أي الصحيح متنا فهو علم لان الخبر ظن باي نحو كان وحينما يصدق المتن ويكون له شاهد يتحقق الاطمئنان به و يخرج من الظن الى العلم و صحة السند ليس فيها هذه القوة. وقد بينت في الكتب المفصلة كيف ان التصديق والشاهد تخرج الخبر من الظن الى العلم. ويحق شكلا من الاطمئنان هو الاتصال المعرفي والصحة المتنية.

( وقد ناقضت جماعة منهم ذلك ، واتّبعت العامّة ، فخرجت بذلك عن إجماعها ، وشذّت عن اسلافها ... الخ.) ت: أي ناقضت جماعة من الخاصة في ترك العرض على المذهبين، وهذه العبارة مهمة انها صدرت من رجال قريب من المتقدمين بل هو من المتقدمين واقعا واشار الى ان الاجماع  كان العرض ويقصد على المذهبين وان من خالف ذلك فقد شذ عن الاسلاف من الخاصة. وهذا الكلام يشيد ويبني بلوة المذهبية وان في ترك هذه الطريقة من بعض من ادركه المصنف وهم من المتقدمين دالا اولا على ان الاجماع ليس حجة بالمعنى الذي لا يصح مخالفته حتى عند من يقول به وثانيا ان الحق هو في العرض على الكتاب وليس على المذهبين وقد الفت هؤلاء الفقهاء الذين فارقوا الاجماع وثالثا ان مخالفة الاجماع ليست بدعة و حدث وانما البدعة والحدث هو مفارقة القران والسنة و القول بشيء لا ينتهي الى القران والسنة. وان احد اسباب المذهبية هو مراعاة الاجماع وتفسير البدعة بمخالفته، بل احيانا يرى البعض ان السنة هي الجماعة وان مخالفة الجماعة مخالفة السنة، وهذا يجعل السنة تبعا للاجماع لا العكس وهذا لا وجه له وقد بينت ان الاجماع ليس فيه مقومات الحجية ولا يحمل السنة ولا يتضمنها ولا تدخل فيه ولا يكشف عنها.
هذا وقد جاءت النصوص القرانية والسنية واضحة في الجماعة والتمسك بالوحدة حتى بالاسم وعدم التفرق حتى بالاسم والمراد ليس الجماعة بما هم بل بالجماعة بما هم اتباع قران وسنة، كما ان الاسم ليس الاسم التعريفي بل الاسم التمييزي المقصي للاخر والاخرج للاخر من الدين الذي يكون عليه الولاء والبراء هذا هو المنهي وان كان الاكتفاء بالاسم الكبير المسلمين المؤمنين هو الاصل والخير كله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). والحمد لله رب العالمين.